{إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} سبأ (7)، بين الافتراء والإِخبار حال الجنة أي حال الجنون، وذلك لأن المراد بالثاني وهو الإِخبار حال الجنة غير الكذب لأنه قسيمه، وغير الصدق لأنهم لم يعتقدوه لأنهم منازعون في الرسالة فكيف يعتقدون مقاله فإذا خرج عن كونه صدقاً لما ذكر، وعن كونه كذباً لأنه في مقابلته، فلم يبق حينئذ إلا أنه قسم برأسه فلا يكون صدقاً ولا كذباً، وبذلك تثبت الواسطة بين الطرفين المتضادين وهما الصدق والكذب.
والمذهب الجاحظي هذا قد رده المفسرون واقتصروا في ردهم على إبطال دليله وذلك بأن المقصود: أم لم يفتر، لأن الافتراء أخص من الكذب إذ هو الكذب عن عمد فحينئذ يكون القسيمان مندرجين تحت أعم وهو مطلق الكذب.
وهذا تحليل ما أجاب به البيضاوي في تفسيره، والخطيب في تلخيصه للمفتاح وعند هذه الردود يقف الكاتبون من المتأخرين حتى أن بعضهم وهو الشيخ ياسين يتساءل لماذا لم يدعم مذهب الأشاعرة بدليل بخلاف مذهب النظّام فقد ذكر دليله ورده، ومذهب الجاحظ كذلك وأجاب جواباً لا يقنع وهو أن مذهب أهل السنة له أدلة كثيرة حتى أصبح لا يحتاج إلى دليل وهو كما ترى غير مقنع لأنه وإن كثرت أدلته إذ يمكن أن يقتصر على ما هو منها أهم حتى لا تميل النفوس مع المذهب المستدل عليه.
وفي الحقيقة أنه أجاب جواب التخلص هذا حيث لم يقف على دليل يؤيد مذهب الأشاعرة.
في هذه النقطة الهامة بالذات نجد المازري قد كفى المؤونة ولم يلتفت إلى رد أدلة الخصم، بل أثبت دليلاً قاطعاً على صحة ما قاله الأشاعرة، وهو الحديث الذي هو بصدد شرحه. وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كذَب عليّ متعمداً فليتبوأ مَقْعَدَهُ من النار".