ويرجع تستر الفاطميين إلى شدة شكيمة الأفارقة فإنهم لم يقبلوا بالسنَّة بدلاً كلّفهم ذلك ما كلّفهم، ومع أنهم لاقُوا شدة وبلاء كبيرا من الفاطميين لم تلن لهم قناة، ولا رجعوا عن السنة. ولم ينقلب على عقبيه إلا قليل القليل من الذين استهوتهم الأطماع، ومالوا إلى الرتب التي أسندتها إليهم الشيعة.
ثم إن ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد لا تزال ماثلة أمام العيون، فهي ثورة من أكبر الثورات، وأشدها، وهي ثورة تغيير المواقف.
ومما أعان على اشتعال هذه الثورة وانتشارها، والتهابها التهابا كادت الدولة تعجز عنه أن أبا يزيد مخلد بن كيداد عرف كيف يستغل الموقف، فهو وإن كان من النكّارين لكنه كان لا يظهر مذهبه، ويزعم أنه يدعو إلى الحق، فرجا الناس منه الخير، والقيام بالسنة حتى رأوه رجل الخلاص، فلذلك خرج معه الفقهاء والعبّاد، وزاد في الإِقبال عليه أنه أمر الناس بقراءة مذهب مالك فخرج الفقهاء والصلحاء في الأسواق بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى أصحابه، وأزواجه [3].
وقابل الذي من أبي يزيد ما أظهره أبو القاسم القائم مما هو مخالف لكتاب الله تعالى واشتداده على من وقف في وجه دعوته من الأفارقة الشديدي الشكيمة.
ومن هذين العاملين كان اشتداد أمر أبي يزيد حتى كادت ثورته تقضي على ملك المهدية لولا إعانة جاءت من بعيد وهي اليد التي قدمها زيري ابن مناد الصِّنهاجي إلى القائم فإنه حمل الميرة إليه وهو محصور بالمهدية من قبل أبي يزيد.
وما همدت فتنة أبي يزيد إلا بعد أن ذاق الفواطم الأمرَّين، وعلموا أن [3] البيان: ج1 ص 317.