نام کتاب : شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري نویسنده : القسطلاني جلد : 1 صفحه : 72
عما ليس بكون، فيجب أن يجعل مبتدأ وخبره في رمضان والجملة خبر كان اهـ فليتأمل.
وقال في المصابيح: ولك مع نصب أجود أن تجعل ما نكرة موصوفة، فيكون في رمضان متعلقًا بكان مع أنها ناقصة بناء على القول بدلالتها على الحدث، وهو صحيح عند جماعة، واسم كان ضمير عائد له عليه الصلاة والسلام أو إلى جوده المفهوم مما سبق، أي وكان عليه الصلاة والسلام أجود شيء يكون، أو وكان جوده في رمضان أجود شيء يكون، فجعل الجود متّصفًا بالأجودية مجازًا كقولهم: شعر شاعر اهـ.
والرفع أكثر وأشهر رواية. ولأبي ذر فكان أجود بالفاء بدل الواو، وفي هذه الجملة الإشارة إلى أن جوده عليه الصلاة والسلام في رمضان يفوق على جوده في سائر أوقاته. (حين يلقاه جبريل) عليه السلام، إذ في ملاقاته زيادة ترقيه في المقامات وزيادة اطّلاعه على علوم الله تعالى ولا سيما مع مدارسة القرآن. (وكان) جبريل (يلقاه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجوّز الكرماني أن يكون الضمير المرفوع للنبي والمنصوب لجبريل، ورجح الأوّل العيني لقرينة قوله حين يلقاه جبريل (في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) بالنصب مفعول ثانٍ ليدارسه، على حدّ جاذبته الثوب، والفاء في فيدارسه عاطفة على يلقاه، فبمجموع ما ذكر من رمضاز ومدارسة القرآن وملاقاة جبريل يتضاعف جوده لأن الوقت موسم الخيرات، لأن نعم الله على عباده تربو فيه على غيره، وإنما دارسه بالقرآن لكي يتقرر عنده ويرسخ أتم رسوخ، فلا ينساه. وكان هذا إنجاز وعده تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام حيث قال له: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6]. وقال الطيبي: فيه تخصيص بعد تخصيص على سبيل الترقي
فضل أوّلاً جوده مطلقًا على جود الناس كلهم، ثم فضل ثانيًا جود كونه في رمضان على جوده في سائر أوقاته، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل على جوده في رمضان مطلقًا، ثم شبّه جوده بالريح فقال: (فلرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالرفع مبتدأ خبره قوله (أجود بالخير من الريح المرسلة) أي المطلقة، إشارة إلى أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح. وعبر بالرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده عليه الصلاة والسلام كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه، وفيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه، وذلك أنه أثبت له أوّلاً وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح الرسلة، بل جعله أبلغ منها في ذلك لأن الريح قد تسكن. وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي، لأن الجود منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقيقة، ومن الريح مجاز. فكأنه استعار للريح جودًا باعتبار مجيئها بالخير، فأنزلها منزلة من جاد. وفي تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتة نطيفة هي أنه لو أخّره لظن تعلقه بالمرسلة. وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد من الوصف بالأجودية إلا أنه تفوت به المبالغة لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح مطلقًا، والفاء في فلرسول الله، وللسببية واللام للابتداء، وزيدت على المبتدأ تأكيدًا أو هي جواب قسم مقدَّر، وحكمة المدارسة ليكون ذلك سنة في عرض القرآن على من هو أحفظ منه، والاجتماع عليه والإكثار منه. وقال الكرماني: لتجويد لفظه، وقال غيره: تجويد حفظه، وتعقب بأن الحفظ كان حاصلاً له والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس.
وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والتحويل وفيه عدد من المراوزة. وأخرجه المؤلف أيضًا في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفضائل القرآن وبدء الخلق، ومسلم في فضائل النبوّة.
ولما فرغ من بدء الوحي شرع يذكر جملة من أوصاف الموحى إليه فقال مما رويته بالسند السابق: