responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فيض الباري على صحيح البخاري نویسنده : الكشميري، محمد أنور شاه    جلد : 4  صفحه : 57
قلت: والذي تبيَّن لي أنَّ توسيعَ البخاري، وتضييق الحنفية، كلاهما ليس بمرضِيَ للشارع، فإِنَّ رَفْع الشيوع الإِبهام مطلوبٌ عنده البتة، أما إنه في أي مَرْتَبة، فلينظر فيه، فليس نَسَقُه إلى هَدْره، كما زعمه البخاري، ولا العضّ به، كما قاله الحنفية، والذي أراه أنًّ النَّهي عنه لكونِه مُفْضِيًا إلى النَزاع، وكلّ أَمْرٍ يكونُ النهيُّ عنه كذلك، لا يُشدِّد فيه الشارِعُ بنفسه، بل ربما يغمض عنه أيضًا، فلا بنبغي التشدُّدُ فيه؛ ويدلُّ عليه ما أخرجه البخاريُّ (2/ 292) "باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها" الخ، عن زيد بن ثابت، قال: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتبايعون الثِّمار، فإِذا جذَ الناسُ، وحضر تفاضِيهم: قال المُبتاع: إنه أصاب الثَّمْرَ الدُّمانُ، أصابه مُرِاضُ، أصابه قُشام، عاهاتٌ يحتجُّون بها، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم لما كَثُرَت عنده الخصومةُ في ذلك: فإِما لا، فلا تتباعوا حتى يبدو صلاح الثَّمر - كالمشورة يشيرُها، لكثرة - «خُصُومتهم. اهـ. فقد فَهِم الراوي في تلك القِصَّةِ ما قد فهمناه، ولذا حَمَل النَّهي على الشمورةِ، لأنه كان لمعنى النزاع.
ونحوه في الفِقْه أيضًا، كالبيع إلى النَّيْروز، والمِهْرَجان، والجِذْع في السَّقْف، كلّها فاسِدٌ، ولكنه لو سَلَّم قبل حُلولِ الأجل في الأَوَّل، ونَزْع الجِذْع في الثاني، انقلب صحيحًا، لأن الفسادَ كان لمعنى النزاع، وقد ارتفع بالتسليم؛ ومقتضاه أن لا يكون الشُّيوعُ في الهِبةُ مُفْسِدًا لها، إلا أنَّ فُقهاءنا وَسَّعوا في البيوع، وَضَيَّقُوا في الهِبة، لأنَّ في البيع قوةً، فيثبت الاستحقاقُ بنفس العقد، فلا يَضُرُّه ضَعُفُ الشُّيوع، بخلاف الهِبة، فإِنه تبرُّعُ مُحْض، يحتاجُ إلى قُوَّة القبضِ، ولا يتمِ القَبْضُ مع الشُّيوع.
وكذا عند التِّرمذي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم نهى عن الثُّنيا، إلا أنْ تُعْلم، ومَرَّ عليه محمدٌ، وفسره بالجزء الشَّائِع، ولا بُعْد أن يكون هذا هو المرادَ. وفَسَّره الناسُ باستثناء أَرْطالٍ معلومةٍ، وتَرَكَهُ محمدٌ، وههنا صورتان: الأولى بعتُ مئة وَسْق إلا عشرة أَوْسُق، وهي جائزةٌ، ويكون ضامِنًا لقضاء الباقي بعد الاستثناء؛ والثانية بِعْتُ ثمارَ هذه النَّخيلِ إلا عشرةَ أَوْسق، وينبغي أن تكون تلك أيضًا جائزةً ولا أَرَى مَطْلُوبٌ للشَّارِع؛ ولهذا المعنى شُرِع الخَرْص في العَرَايا، أي ليحصُل نوعٌ من التعيينِ، ويخرج الأَمْرُ عن الجهالةِ المُطْلقةِ إلى التعيين في الجُملةِ، ومن هذا الباب الأَمْرُ بِرَفْع الجهالات في البيوع، فالنَّهي عنه ليس بأكيد، وقد أغمض عنه أيضًا في بَعْض المواضع.
ثم القَبْضُ في البيع يَتِم بالتخلية؛ أما في الهبة، فلا يَتِم إلا بالجِذاذُ، فعند مالك في «موضئه» في باب ما لا يجوزُ من النَّخْل من كتاب الاقضية وقد أَخرجه الطحاويّ أيضًا. مالك عن ابن شِهاب عَن عروة بن الزُّبير، عن عائشة زَوْج النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أنها قالت: إنَّ أبا بكرٍ الصديقَ، كان نَحَلها جُذاذَ عشرينَ وَسْقًا من ماله بغايةٍ، فما حضرته الوفاةُ، قال: واللهِ يا بنيةُ ما مِن الناسِ من أَحَدٍ أَحبُّ إليَّ عندي مِنْك، وإني كُنْتُ نَخَلْتُكِ، فلو كنتُ جَذَذْتُه وأَحرَزْتُه كان ذلك، وإنما هو اليوم مال وارِث، وإنَّما هو أخواكِ، وأُختاك. اهح. فدلَّ أنَّ الهِبةَ لا تتَمِ إلا بالجُذاذِ، أما امْرُ النبي صلى الله عليه وسلّم بإِكفاء القُدُور حين طَبَخُوا اللَّحْم قبل القِسْمة، فقد مرَّ وَجْهُه، فلا يخالِفُ ما ذكرنا

نام کتاب : فيض الباري على صحيح البخاري نویسنده : الكشميري، محمد أنور شاه    جلد : 4  صفحه : 57
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست