فُلْكُه على الجُوْديِّ، نزلت الشريعة وبعض من الحلال والحرام. فعند النَّسائي من كتاب الأشربة من الطِّلاء - ما يدل على بعض أحكام شريعته عليه الصَّلاة والسَّلام - عن أنس بن سيرين. قال: سمعت عن أنس بن مالك يقول: إن نوحًا صلى الله عليه وسلّم نازعه الشيطان في عود الكَرْم، فقال: هذا لي، فاصطلح على أن لنوح ثلثها وللشيطان ثلثيها.
وإن نوحًا قد كان وضع عود الكَرْم، ومن كل حيوان زوجين حين ركب الفُلْك وطغى الماء، فإذا استوت سفينته ونزل منها نازعه الشيطان في عود الكرم وادّعاه لنفسه، فإن الخمر يتخذ منه، ثم انفصل الأمر كما في الحديث.
قلت: وهو يفيدنا في جواز المُثَلث من الأشربة، فإن الثلث صار لنوح عليه الصلاة والسلام، فيكون حلالًا البتة، وصار الثلثان للشيطان فإن بقي فيه شيء من الثلثين لم يحل، لكون حظ الشيطان باقيًا، فإذا ذهب ثُلثاه بقي حق نوح عليه الصَّلاة والسَّلام فيكون حلالًا. قال ابن رشيد في «التهافت»: إن تعليم القيامة لم يكن قبل التوراة: أقول: بل هو مدار النبوة، وأساس الأديان السماوية، وشرائع الأنبياء، فلا بد أن يكون تعليمه من بدء الأمر، فإن الشريعة وإن اختلفت، إلا أن أصولها لم تختلف قط. وفي التفاسير: إن حرمة الخنزيرة كانت من زمن آدم عليه السلام. نعم تحتاج أمثال هذه النقول من المفسرين إلى الانتقاد، فكيف بالقيامة واعتقاد حقيتها، فإنها من أصول الدين؟
شرحُ الحديث على نحو ما قالوا
واعلم أن الحديث تكلموا عليه قديمًا وحديثًا، وهو من أساس الدين، حتى رُوي عن الشافعي رحمه الله تعالى: أنه يدخُلُ فيه نصف العلم. ورُوي عن أحمد رحمه الله تعالى: أنه ثُلث الإسلام، أو ثُلث العلم. وقيل: ربعه كما قيل:
*عُمدة الخيرِ عندنا كلماتٌ ... أربعٌ قالهنَّ خيرُ البريه
*اتق الشُّبْهات، وازْهَد، ودع ما ... ليس يَعْنِيْك، واعمَلَنَّ بنيه
ونسبهما علي القاري رحمه الله تعالى إلى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى "وهو سهو منه، بل هما لشاعر آخر كما يُعلم من شرح «عقود الجمان» للسيوطي رحمه الله تعالى.
ثم الحديث مروي عن إمامنا أبي حنيفة أيضًا في «مسنده» بلفظ: «الأعمال بالنيات» رواه عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التَّيمي، عن علقمة، عن أبي وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «الأعمال بالنيات» .. إلخ. ورواه بهذا اللفظ ابن حبان في «صحيحه»، والحاكم في «أربعينه»، وصححه.
واقعته: ما رواه الطبراني بسند رجاله ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أُمُّ قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها. قال: فكنا نسميه: مهاجرَ أم قيس.
قال ابن دقيق العيد: لم يُصنِّف أحد في شأن ورود الأحاديث، إلا ما بلغني عن أبي حفص العُكْبَري، أنه صنف في هذا الموضوع شيئًا، ولو فعله أحد لنفع جدًا.