الاختصار والإِشارة، لأنَّه كان بالغ فيه، فردَّ عليه فِعْلَه بأبلغ وجه، وقال: إنك تَمَعَّكْتَ مع أنه تَكْفِيك هكذا فقط، فليس هذا موضعَ تعليم فقط بل تعليمٌ مع الرد على مبالغته بأبلغ وَجْهٍ كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في حديث جُبَير بن مُطْعِم حين تَماروا في الغُسْل: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا لا يريد بذلك الاقتصار عليه فقط، بل الردّ على المبالغات [1].
6 - باب الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ
وَقَالَ الْحَسَنُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا.
ولعله اختار مذهب الحنفية وترك مذهب الشافعية ولذا لم يتعرض إلى تفصيل فيه: من كونه مُنْبِتًا أو لا. ولا عجب أن يكون إشارة إلى مسألة أخرى أيضًا، وهي طهارة مطلقةٌ عندنا، وضروريةٌ عند الشافعية، فجعله وضوءَ المسلم فكان طهارةً مُطْلقة كالوضوء.
قوله: (وقال الحسن) ... إلخ واعلم أَنَّ رؤية الماءِ والقدرة على استعماله من نواقض التيمم عندنا، وعند أحمد نواقِضُه تواقضُ الوضوء فقط، وليست الرؤية من نواقضه، فكأَنَّ المصنِّف رَحِمه الله تعالى أشار إلى مذهبه وتمسك بقوله صلى الله عليه وسلّم «ما لم يُحْدِث».
قوله: (وأَمَّ ابنُ عباس رضي الله عنه) وأنكر محمد رحمه الله تعالى إِمَامةَ الميتممِ للمتوضىء، كإنكاره إمامة القاعِدِ للقائم.
قوله: (وقال يحيى بن سعيد) أي القاضي، وليس بالقطان.
قوله: (عَلى السَّبَخَةِ) فاكتفى بنجس الأرض، وترك تفصيل الشافعية كما مرَّ.
344 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ كُنَّا فِى سَفَرٍ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِى آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ - يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِىَ عَوْفٌ - ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لاَ نَدْرِى مَا يَحْدُثُ لَهُ فِى نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلاً [1] قلت: وقوله: "اصنعوا كلُّ شيءِ إلا النكاح" أيضًا من هذا الوادي عندي لم يرد بذلك بيانُ كلِّ ما يجوز له من امرأته، ولكنه أراد -والله تعالى أعلم- مخالفة اليهود، فشدد في التعبير فقط. وفهمه الصحابة رضي الله عنهم حقًا، ولذا قالوا: "أفلا نجامعهن"، وقد اختُلف في مراده، وفي طريق: "أفلا ننكحهن"؟، فمَنْ حمله على المجامعة في البيوت فلعله غَفَلَ عن هذا اللفظ، وإنما تبادروا إلى الإِذن بالمجامعة، لأنهم فهموا أن القرآن نزل بخلافهم، فأرادوا أن يخالفوهم بأقصى ما يمكن، ولما كانت هذه المبادرة استعجالًا منهم بدون تفكر في قوله: {فَاعْتَزِلُوا}، وكثيرًا ما يعتري المرء عند الاستعجال في الامتثال - غضبَ عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعلمه فإِن طريق النبوة بين الإفراط والتفريط، والعدل في الرضا، والغضب والصدق في الجد والهزل.