أَني كَرِهت أن أذكرَ اللهَ حالَ اشتغالي بالبول، فلم أرد عليك، وإن كان اللفظ عامًا. وفيه نظر من وجهين:
الأول: لِما في «العمدة» عن الطبراني بزيادة وهي: أنَّه دعا بوَضوءٍ فتوضأ، ورَدَّ عليَّ وقال: «إني كرِهت أَنْ أذكرَ اللهَ على غير وضوء». فإن كانت محفوظةً ففيها تصريح بأنَّ الكراهةَ كانت لعدم كونه على الطهارة، لا لاشتغاله بالبول.
والثاني: أنَّه لم يجب بعد الفراغ عن البول أيضًا إلا بالتيمم، أو الوضوء، فعاد الإشكال، لأنه إذا صرفنا قوله: «إلا على طُهر» على معنى الطهر عن البول، وعدم الاشتغال له، فنحن وإن خرجنا منه عن عهدة القول، إلا أنَّه لم يزل فِعلُه واردًا علينا، فإنَّه لم يجب بعد الفراغ أيضًا، فدل فِعْله على أنَّ جواب السلام ينبغي أن يكون على حال الطُّهر. ولكن في «العمدة» عن ابن دقيق العيد أنَّه أَعلَّ الحديث لِما في البزَّار بسند صحيحٍ عن ابن عمر رضي الله عنه: أن رجلًا مَرَّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وهو يبولُ فسلم عليه الرجل فرد عليه السلام، فلما جاوزه ناداه وقال: «إني رددتُ عليك خشيةَ أن تقولَ سلمتُ ولم يُجِبْني، فلا تسلِّم علي، فإنك أنَّ تَفْعَل لا أردُّ عليك». فاضطرب الحديث جدًا، وراجع «نصب الراية».
وما تحرر عندي في هذا الباب: أَنَّ السلامَ كان حالَ البول، والجواب: بعد التيمم مرةً، وبعد أَنْ أَقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلّم من نحو بئر جَمَل، كما ذكره أبو الجُهَيم. فإذا رأيت في القصتين إتيانَه صلى الله عليه وسلّم من نحو بئر جَمَل حَكَمْتَ أنها قصةٌ واحدةٌ، بقي الاختلاف بكون السلام بعد البول عند أبي الجُهَيم، وحال البول عند ابن عمر رضي الله عنه، فالأمر فيه سهل ويُحمل على توسع الرواة. ويقال: إن الواقعة على صرافتها الوضوء أخرى، ثم أظن أنَّ ردَّ السلام واجبٌ على الفورِ، فإن تأخر سقط عنه [1] إلا أن التأخير ههنا لما كان لمانع شرعي، وهو أنه أراد أن يذكرَ اللهَ حالَ الطهارةِ فيحمل فيه التأخير بقدر الوضوء، أو التيمم، ولم يسقط عنه الجواب وساغ له أن يردَّ عليه بعد الوضوء أو التيمم.
وفي «المسند» لأحمد عن عبد الله بن جابر قال: إني سلمت على النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ثلاثَ مرارٍ لا يُجِيبُني كلَّ مرةٍ، حتى دخل حجرته وتوضأ مستعجِلًا، وردَّ عليَّ ثلاث مرار. وليس فيه ذِكر البول، ولا ذِكْر البول، ويَخْرُج منه أنَّ العزيمةَ فيما لم يَخَفِ الفَوْتَ وكان بصدد الطهارة، أن يردَّ بعدها، وهو عند ابن كثير أيضًا. وعبد الله بن جابر اختُلف فيه، قيل: إنه بياضي من بني بياضة، وقيل: عبدي.
وحاصل: المسألة عندي أنَّ الذِّكر المختص بالوقت كقوله: غفرانك، يُؤتى به في وقته [1] قلت: وترددوا مثله في جواب الأذان أنه إن أجاب المؤذن بعدما تمَّ الأذان، هل يُحْرِز الثواب ويشترك معه في الأَجر أم لا؟ وتعرض إليه السندي في "حاشية النسائي"، والظاهر أنه إن تلافى عقيبه وأجاب على الفور يُرجى له الأجر، وإن أخر بُرْهةً ثم أجاب لا يحصل له هذا الثواب، لأنه فات فيه معنى الإِجابة، وَوَعْد الأجر نيط به، والله تعالى أعلم.