الأول: أنه كَتَب «هاشم بن خالد» مع أنه «هِشَام بن خالد» وهو من رواه أبي داود، أخرج عنه في باب الرجل يموتُ بسلاحه، وباب فِيمَنْ سأل اللَّهَ الشهادةَ.
والثاني: أن في آخر سنده ابنَ غَيْلان. قال الدارقطني: إنه مجهول.
قلت: بل هو عمرو بن غَيْلان كما سماه الزَّيْلعي بعده بقليل. وفي «الإصابة»: أنه صحابي صغير، وفي بعض طرقه عبد الله بن عَمرو بن غَيْلان، وهو من رجال ابن ماجه. وعَدَّه في «السنن الكبرى» تحت المَسْح على الرجلين من العلماء. والصحيح عندي أن عَمرو بن غَيْلان. وبعد هذا التصحيح يمكن تصحيحُ الحديث أيضًا، ولا أقلَّ مِن أن يكون حَسَنًا لذاتِه. ثم إن بعض السلف أيضًا ذهبوا إليه، منهم سفيان وغيره، وهكذا صرَّح له الترمذي وفيه: قال إِسحاق: إن ابتُلي رجلٌ بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحبُّ إليَّ. ومِثْله رواية عندنا أيضًا.
قلت: وذهب إليه الأَوزاعي أيضًا وبعضٌ من التابعين، كما في «مصنَّف ابن أبي شَيْبَة».
ثم إن الترمذي قال: وقول مَنْ يقول: لا يتوضأ بالنبيد أقربُ إلى الكتاب وأشبه، لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَآء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيّبًا} [المائدة: 6]. قلت: ولعله يشير إلى أن القول بجواز الوضوء بالنبيذ زيادةٌ على الكتاب. قلت: والزيادة عليه إنما تمتنع عندنا فلو كان فيه إشْكال لكان على مذهبنا. أما على مذهب الشافعية فإِنهم يجيزون الزيادة بخبر الواحد، فعبارتُه أقرب إلينا في مسألة الأصول.
= أبي داود، والذي في تلك السلسلة هو هشام بن خالد لا هاشم بن خالد، فتحدس لنا أن ما في نسخة الدارقطني لعله سهوٌ من بعض النُّساخ، وصورة تلك السلسلة عند أبي داود هكذا:
حدثنا هشام بن خالد: حدثنا الوليد عن معاوية بن أبي سلَّام، عن أَبيه، عن جده أبي سلَّام، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ... إلخ، هكذا في باب الرجل يموت بسلاحه وهذه هي السلسلة في إسناد الدارقطني، فلما رأينا اتحاد الرواة كلهم بين هذين الإسنادين من المبدأ إلى المنتهى غير رجل واحدٍ، فإنه عند الدارقطني هاشم، وعند أبي داود هشام، تبادر لنا أنه لا يكون عند الدارقطني أيضًا إلَّا ما كان عنه أبي داود، فحكمنا أنه هشام بن خالد، ثم رأينا أن هشامًا هذا قد أخرج عند أبو داود في: باب مَنْ سأل الله الشهادة أيضًا، فعلمنا أنه شيخه قد يروي عنه أبو داود حديثًا من تلك السلسلة، وأخرى عن غيرها.
وبالجملة: إذ قد ثبت عندنا أن ما عند أبي داود سلسلة واحدة متصلة للتلامذة والشيوخ، ثم رأيناها عند الدارقطني بعينها بدون فَرْق بين التلامذة والشيوخ، حكمنا لا محالة أن هاشمًا عند الدارقطني لا يكون إلّا أحد الرواة من هذه السلسلة، وهي هشام كما عند أبي داود وبعد فليس في هذا الباب إلّا حكم الوجدان، والذوق، ولا يذوق إلّا معتنٍ. بقي الثقفي فهو عندي عمرو بن غيلان الثَّقفي كما هو مصرَّح في سند الطبراني المذكور سابقًا، وهو صحابي صغير كما ذكره الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في "الإِصابة" وليس بعبد الله بن عمرو غَيلان وهو من رجال ابن ماجه والبيهقي لما مرَّ عليه في "سننه" لم يجرح فيه ولا وَثَّقَه غير أنه لما عدد العلماء من السلف الذين ذهبوا إلى افتراض غسل الرجلين عدّة منهم، فدل على كونه عالمًا. والسند بعد هذا التصحيح ليس أقل من الحسن عندي، والله تعالى أعلم.
هذا مراده رحمه الله تعالى على ما أَفهم. ثم الكلام على الطريق المشهور فقد ذكرناه في تقريره للترمذي عندنا، ولم نذكره ههنا خوف الإِطناب ولشهرته بين العلماء.