على القبور لا أصل له كما في النووي، ومُصَنِّف «المطالب» ليس من الكبار لِيُثَق به، بقي البحث في أنَّ المُؤثِّرَ لو كان هو التسبيح، فهل ينقطع عنها التسبيح، بعد اليَبْس، فإِنه يخالف ظاهر قوله تعالى: {وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} [الإسراء: 44].
البَحْثُ في تسبيح الأشجار، قوله تعالى: {وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ}
واعلم أنَّ المفسِّرين أخْرَجُوا آثارًا تحت قوله تعالى: {وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ}، ويُسْتَفَاد منها انقطاع التسبيح في زمان، مع أنَّ الآيةَ تدلُّ على العمومِ، ففي الآثار: أنَّ الثوبَ إذا كان أبيض، فإِنَّه يسبِّح، وإذا اتّسَخَ، فإِنه لا يسبِّح، وهكذا الماء إن كان جاريًا يسبِّح، وإن ركد ينقطع عنه التسبيح، وكذلك المرأه إذا حاضت، وأمّا الحمار والكلب، فإنهما لا يُسَبِّحَان أصلًا، ومن ههنا تبيّن لي وجهُ كونهما قاطِعَيْن لصلاة المُصَلِّي، فإِذا كانت دونهما سُتْرةٌ لم يَضُرَّ مرورهما، ولذا غَضِبَت عائشة رضي الله عنها، وقالت: «عدَّلْتُمَونا بالكلاب والحُمُر». وقيّد الحائضة وإن لم يكن في عامة الطُرُق، لكنه عند أبي داود: «يقطع الصَّلاة: المرأة الحائضة، والكلب» ولم أرَ أحدًا منهم تنبَّه لهذه الدقيقة.
قلتُ: ولذا يتنجَّس بوقوع النحاسة، كما اختاره الحنفية، وهكذا الحال في الحجر إذا ثَبَتَ في مكانه وإذا أُقْلِع، والشجر إذا كان رَطْبًا وإذا يَبِسَ. والذي تبيَّن لي - والله تعالى أعلم - أنَّ هذه الأشياء كلها تُسَبِّح في الحالين، كما شَهِدَ به النص، إلاّ أنه يتغيّر نوع تسبيحها، فإِن الاتساخَ والرُّكُود والقَطْع والقَلْع موتٌ لهذه الأشياء، وهكذا الإِنسان يُسَبِّح نوعَ تسبيحٍ ما دام حيًا، وإذا مات وصار ترابًا ولَحِق أجزاءه بالعناصر، فإِنَّه لا يُسَبِّح هذا التسبيح، بل بتسبيح العناصر، فيتغيَّر نوعُ تسبيحه، لا أنه لا يُسَبِّح أصلًا، لأنَّ القرآن صرَّح بأن تسبيحَ كل نوعٍ على حِدَة، فقال: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41] وهكذا يُسْتَفَاد الاستغراق من عامة الآيات،