نجسًا عند صاحب الشرع، إلاّ أن المطلوبَ الاحتزاز عنه والاحتياط فيه، لئلا يقع في مُغْتَسَلِهِ، وهو المذكور في فقهنا، حتى لو سقط الماء المُسْتعمَل في وَضُوئه وغَلَب عليه، لا يجوز الوضُوء منه، ولا يبقى مُطَهِّرًا.
ولمّا كانت النساء أقل نظافةً، وأقل احتياطًا في أمور التطهير، خصَّ الرجل بالنهي عن استعمال فضلهَّن. ولو ثَبَتَ عكسه أيضًا، فالنهي عن فَضْل الرجال جَرْيًا على مقتضى طَبْعهن، فإِنهنَّ يَرَوْن الرجال أقلّ نظافةً من أنفسهن، فراعى في الأول الواقع في نفس الأمر، وفي الثاني الواقع في زَعْمِهنَّ، لئلا تَتَوَسْوَس صدورهنَّ في استعمال الماء، فإِن عدم الوسواس في أمر التَّطَهّر مطلوبٌ. فناسب أن ينهى عن فَضْل الرجال أيضًا، حسمًا لمادة الوَسَاوِس وقطعًا لِعرْقها، والمراد منها التي تقع في طهارة الماء وعدمها، دون الوَسَاوِس الشهوانية.
والحاصل: أن الحديث وَرَدَ على وَفْق طَبْع الرجال والنساء، وإن كان ما في طَبْع الرجل مُوَافقًا للواقع، وما في طَبْعهنّ مخالفًا له، إلا أن الغرضَ لمّا كان قَطْع الوَسْوَاس لم يُنَاظِر معهنَّ، وتركهن على فِطْرَتهن، ولا تبديل لخَلْق الله، نعم الوَسَاوِس التي تكون لا عن منشأ صحيح لم يعتبرها الشرع أصلًا، ولذا أباح الاغْتِرَاف معًا، لأنَّ الذين يكرهون استعمال السُّؤْر لا يَرَوْن به بأسًا، أَلا تَرَى أن من يَكْرَه أن يأكل فَضْل طعامك، لا يَكْرَه أن يكألَ معك، لأنه لا يراه سُؤْرًا فالدَّخْل فيه للسُّؤْر دن الوَسَاوِس. والمعنى أن لا يُسْئِر الرجلُ الماءَ للمرأة، ولا تُسْئِر هي له، فكما أنك تَكْرَه أن تُسْئِر طعامَك وشرابَك لجبيك، كذلك أراد الشرع أن لا يُسْئِر الزوجان أحدهما للآخر غِسْلَه.
فهذا الحديث من باب حُسْن الأدب، وسدّ الأوهام، وأول ما انتقل إليه ذِهْني من كلام الطَّحَاوِي، فإِنه بوَّب أولًا بسُؤْر الهرة، ثم بسؤو الكلب، ثم بسُؤْر بني آدم، وأخرج تحته حديث النهي عن اغتسال الرجل بِفَضْل المرأة وبالعكس، فكأنه أشار إلى أن المعنى في هذه الأحاديث هو السُّؤْرِيَّة الإِسْآر، دونَ الوَسَاوِسِ الشهوانية، فللَّه دَرُهُ ما أدقّ نَظَرِه. ويدُّلك على قلنا ما أخرجه النسائي عن أمُ سَلَمَة: «أنها سُئِلَت: أَتَغْتَسِلُ المرأه مع الرجل؟ قالت: نعم، إذا كانت كَيِّسَة». فأشارت إلى أن الأمر يدور على الكِيَاسة وعدمها، ولَمَّا كان الرجل كَيِّسًا لم يُنْه عن استعمال فَضْل وضُوئه، يخلاف النساء، فإِنهنَّ لَسْن كذلك في عامة الأحوال، وإذا كانت كَيِّسَة تَعْرِف طريق آداب الماء وصيانته،، فلها أن تَغْتَسل معه.
فإِن قُلْتَ: إذا كان الأمر كما وَصَغْتَ لِمَ نهى النساء عن اغتسالهنَّ بفَضْل الرجال؟ قُلْتُ: إن التَّقَاطُرَ في الاغتسال يمكن منهم أيضًا، فإِنَّه استعمالٌ للماء الكثير وغسلٌ لسائر البدن، والأواني كانت مُتَّسِعَة كالمِرْكَن، فيُشْكِلُ فيها التَّحَفُط من الرجال أيضًا، فلذا وَرَدَ فيه النهي للطرفين.
فإِن قلتَ: وحينئذٍ ينبغي أن يُنْهَى الرجل عن الاغتسال بفَضْل الرجل أيضًا، فَلِمَ خصَّصَ به الزوجين مع أن العِلَّة تشملهما؟ قلتُ: لتحقُّق الاغتسال كثيرًا بين الزوجين، بخلاف غيرهما،