مالك، ولا شك أن الرأس اسم لمجموع العضو، فلا يكون المأمور بالمسح إلا هو، وهذا هو نظر المصنِّف رحمه الله تعالى.
والذي فيه عندي، أنَّ نظر الأئمة دائرٌ في أنَّ الفعلَ إذا أُمر بإِيقاعه على محلٍ، فهل يُشترطُ للامتثال به إيقاعُه على جميع المحل، أو يكفي على بعضه أيضًا؟ ولا إجمال في الآية كما قرروه، لأنَّه يكون إما بالاشتراك أو بالغرابة، وليس ههنا واحد منهما. نعم، إن ثَبَتَ أن الإِجمالَ قد يكون باعتبار مراد المتكلِّم أيضًا، فهذا النوع ممكن ههنا، إلا أن الإِجمال عندهم ينحصر في النحوين فقط.
فنحن معاشر الأحناف تفحَّصْنا حالَ النبي صلى الله عليه وسلّم في المسح فلم نجد فيه أقلَّ من الرُّبُع فقلنا به، وعلمنا أن الإِيقاعَ على الربع يحكي عن لكل، ويقومُ مَقَامه في نظر الشارع، ويؤدي مُؤدَّاه عنده. لحديث المُغيرة رضي الله عنه، فإنه بعد اختلاف ألفاظه لا يدلُ إلا على أنه مسحَ على بعض الرأس، أي الناصية، وهو ما كان شريطةً، أما على العِمَامة فلأَداءِ سُنة الاستيعاب [1].
ولنا ما عند أبي داود: «أنه مسحَ مُقدَّم رأسه ولم ينقض العِمَامة» وفيه أبو مُعْقِل: إنه مجهول. قلت: وتبين لي اسمه وهو حَسَنٌ عندي، وهو عبد الله بن مَعْقِل كما في «الفتح» وفي «تهذيب التهذيب» عبد الله بن مَعقِل عن أنس في المسح على العمامة هو أبو مَعقِل يأتي في الكُنى، سمَّاه صاحب «الأطراف».
وأيضًا عندي مرسلٌ عن عطاء بن أبي رَبَاح: «أنُّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان في سفر وكان على رأسه عِمَامة، فوضَعَها على رقبته ثم مسح رَأْه» فلمثل هذه الأحاديث قلنا: إن الاستيعابَ ليس بفرضٍ. وثَبَتَ في «الفتح» و «العُمدة» عن ابن عمر رضي الله عنه: «أنَّ المسح على الربع كافٍ للخروج عن العُهدة»، فعُلِم أن الاستيعاب لم يكن شرطًا عند السلف أيضًا.
ثم اعلم أنَّ الراوي توجه في قوله: «ولم يَنْقُض العِمامة» إلى أمرٍ مُهم، لأنَّ السُنَّة في المسح هو الإِقبال والإِدبار، فمسَّت الحاجةُ إلى تعليم المسحِ حالةَ التعمم، فإِنَّ الإِقبال والإِدبار متعذران في ذلك الحال، فالظاهر أنَّه أراد أن يعلِّمَ كيفية المسح حال التعمم. والله تعالى أعلم.
وفي «مدارج النبوة» عن ابن الظهيرة: أنَّ الأقوى بما في الباب مذهبُ مالك رحمه الله تعالى. «قلت»: وفي «التفسير الكبير» عن البغوي: أنَّ الأقوى مذهبُ الإِمام الأعظم، ولعلَّهُ في «طبقات الشافعية» أيضًا. [1] واعلم أن عامة الأحناف يُنكرون المسح على العِمَامة رأسًا. وتُوهِمه عبارة محمد رحمه الله تعالى في "موطئه" أيضًا، إلّا أن الجَصَّاص صرح في "الأحكام" أنه جائزٌ عندنا. قال: وقد بينا في حديث المُغيرة بن شُعبة: "أنه مسح على ناصيته وعِمَامته". وفي بعضها: "على جانبِ عِمَامته". وفي بعضها: "وضع يده على عمامته"، فأخبر أنه فعلَ المفروضَ في مسح الناصية ومسحَ على العِمَامة، وذلك جائزٌ عندنا. اهـ. وكان الشيخ رحمه الله يُطيلُ البحثَ في هذه المسألة في درس الترمذي.