قوله: (وبكتب الرسالة) ومسُّ المصحف للمحدثِ حرامٌ عندنا مطلقًا، سواء كان مسَّ حروفَه أو بياضه. نعم، يجوزُ مسُّ بياض التفاسير. وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى: أنه يجوز في المصحف أيضًا.
أما قوله تعالى: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79] فقال مالك رحمه الله تعالى: إنه خبرٌ لا إنشاء. وذهب إلى التوسُّع كالبخاري، ومعناه: أنَّ المطهرون هم الملائكة فأخبر أن القرآنَ لا يمكن أن تقربَه الشياطين وتمسَّه، وأَن الملائكة هم الذين يمسُّونه، وليس بإنشاءٍ لِيَشتَرطَ الطهارة للمس. ومر عليه السهيلي وقال: إن {الْمُطَهَّرُونَ} وصفٌ للملائكة، فإنَّهم الذين يكونون دائمًا على هذا الوصف، أمَّا بنو آدم يتنجسون مرَّة ويتطهرون أخرى، فهؤلاء متطهرون، أي طهارتهم كَسْبية لا مُطَهرون، لأنَّه يدل على دوام الطهارة، فلا يكون إلا الملائكة.
183 - قوله: (ثم اضطجع) واعلم أنَّ الحنفيةَ رأوا الاضظجاع بعد سُنَّة الفجر جائزًا، ولم يَروَه سنةً مقصودةً في حقه صلى الله عليه وسلّم أمَّا لو أراد أحدٌ أن يقتديَ بعادات النبي صلى الله عليه وسلّم يؤجر أيضًا، ويصير مقصودًا في حقه. وقال إبراهيم النَّخَعي: إنه بدعة. ثم نَسَبَ إلينا أن الاضطجاع بدعةٌ عندنا، مع أنَّ الحنفية لم يقولوا به.
قوله: (خفيفتين) وفي رواية: أنَّه كان يقرأ بسورة الإِخلاص، وقل يا أيها الكافرون. وعند الطحاوي أن الإمام الأعظم كان يقرأ تارةً بجزء. قلت: ولعلَّه إذا فات حزبُه من الليل فيطول القراءةَ تلافيًا له. وفي «الدر المختار»: أنَّه قرأ مرَّةً داخلَ الكعبة نصفَ القرآن في رَكْعة قائمًا على إحدى رجليه، ونصف القرآن في ركعة أخرى هكذا وتحير منه الشامي. قلت: وهو ثابتٌ مرفوعًا أيضًا، كما ذَكَرَهُ أصحاب التفاسير في سورة طه.
قال الحافظ ابن تيمية في بيان نُكتة تخفيف هاتين الركعتين: إِنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم كانَ يبدأ وظيفتَه من الليل بالركعتين الخفيفتين، فلما دخل في وظيفة النَّهار أحبَّ أن يبدأها بالركعتين الخفيفتين فلمَّا دخل في وظيفة النهار أحبَّ أن يبدأ بالركعتين كذلك، لتكون شاكلةُ الوظيفتين واحدة [1].
ثم اعلم أنَّ هذا الحديث أخرجه الطحاوي أيضًا، وفي إسناده قيس بن سليمان مكان مَخْرمَة بن سليمان، وهو سهو من النَّاسخ قطعًا، فإِنَّه لا دخل لقيس في هذا الإسناد. فاعلمه.
38 - باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ إِلاَّ مِنَ الْغَشْىِ الْمُثْقِلِ
184 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ خَسَفَتِ [1] قلت: فهو إذن كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة المغرب وتر النهار فأوتروا صلاة الليل" -أو كما قال- فكما أن صلوات النهار اختتمت بالوتر، كذلك فلتكن صلاة الليل.