خرجت بعدَ نُزُول الحجاب. كان عمر رضي الله عنه يحبُّ حجاب الشخص فلم يوافقه الوحي فيه، وإنما عدَّ الحجاب من مُوَافقاتِهِ لنزول حِصة منه على وَفْقِ رأيه. ثم إنَّ قوله صلى الله عليه وسلّم «قد أَذن لكُنَّ» لم يكُن مستفادًا من الآية، بل لعله كان من وحيٍ غير متلوٍ أو استنباط منه. ولذا لم يذكر نزول آية هناك.
وسياقه في التفسير هكذا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: خَرَجَتْ سَودةُ بعدما ضُرِبَ الحجابُ لحاجتها .... فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة أما والله ما تخفَينَ علينا فأَنْكَفَأت ... فقالت: يا رسول إنَّي خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمره: كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه ... فقال: «إنَّه قد أُذِنَ لكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لحاجتكنَّ» ففيه تصريح بأنَّها خرجت بعد نزول الحجاب، وليس فيه إِنَّه إذْنَ الخروج كان من وحي متلوٍ، بل يُمكِن أن يكون من وحي غير متلو.
هذا هو الترتيب عندي، فاندفع منه إشكالُ التعارُضِ بين الروايتين، وكذا لم تبق في قوله: «فأنزل الله الحجاب» رِكَّة، لأنَّه مقدَّمٌ في الأصل وإنَّما أخره الراوي فأوهمَ رِكَّةً، وكذا لم يبق في قوله: «قد أُذِنَ لكُنَّ» قلقٌ، لأنَّ الإِذن على هذا التقدير ليس مُستفادًا من جهة الآية شرحًا لها، بل من جهة أخرى، بخلاف ما إذا كان الترتيب كما في رواية الباب، فإِنَّه يدُل على أن الإِذن مستفادٌ من آية الحجاب وأنَّ التوسيع من جهة الوحي فيوهم رِكَّةً، لأن السياقَ يوجبُ نزولَ التضييق وكذا لا يرتبط مع قول عمر رضي الله عنه، فإِن قوله: إذا كان قَبْلَ نزول الحجاب كما في هذه الرواية ونزول الحجاب بعده.
فالظاهر أنه نَزَلَ حَسَب رأيه وَوَافقَه الوحي فيه كما في البخاري عنه. وهذا كله لسوءٍ الترتيب، ولو كان الترتيبُ كما في التفسير لم يرد شيءٌ مِنْ هذا. ومن زَاول تصرفات الرواة لا يستبعد ما قلنا. وأمَّا من كان عنده عِلم بدون تجربة فإنَّه يضيق منه، فليكُن هكذا فإِنَّه الأولى بشأنه8 وللحافظ رحمه الله تعالى أن يقول: إن قوله: «فأنزل الله الحجاب» إشارة إلى أن الحجاب الذي نَزَلَ أولًا ولأجله عدَّه عمر من مُوَافقاته لا إلى الحجاب الذي نَزَل الآن، فإِنه لم ينزل في هذه الوَاقعة حجاب الشخص كما كان عمر يحبه ولا شيء.
والإِشكال الثاني: أنَّ هذه الرواية تدل على أن الآيةَ نزلت في قِصة سودة رضي الله عنها. وما عنده في التفسير يدُل على أنها نزلت في وليمة زينب رضي الله عنها. قال الحافظ: إِنَّ هناك واقعة أخرى أيضًا وكلها متقاربة وآخرها واقعةُ زينب رضي الله عنها، وفيها نَزَلت آية الحجاب، إلا أنَّ كلَّها لّما كانت متقاربةً نُسب نزولُها إلى هذه وهذه. قلت: والمتبادر من ألفاظ الأحاديث نزولها في كل منها، لا أنها نزلت في واحد منها ثم نُسب نزولُها إلى الأخرى لتقاربها فلتكن ما في قصة سودة رضي الله عنها غير ما نزلت في قصة زينب، إلا أنَّ الحافظ رحمه الله تعالى أتى برواية صريحة أنَّ الآية التي نزلت في قصة زينب رضي الله عنها هي بعينها نزلت في قصة سَودة رضي الله عنها، وإسنادُه لا بأس به.
ثم اعلم أنَّ المشهور بآية الحجاب هي التي نَزَلت في قصة زينب رضي الله عنها، يعني