رِجلِهِ وفيها النَّعل، فَفَتَلَها بها ثُم، الأخرى مثل ذلك». ولعله في واقعة أخرى. وإنَّما نقلتها ليعلم أنَّه قد يحتاج إلى الرشِّ ولا يكفي الإِسالة.
8 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الْوِقَاعِ
واعلم أنَّه لم يذهب إلى وجوبِ التسمية أحدٌ من الأئمة، إلا ما نُقل عن أحمد رحمه الله تعالى في رواية شاذة، مع ما ثَبَتَ عنه في الترمذي: أنه لم يثبت في هذا الباب شيء. ولذا أقول: لا بدَّ أن يكون في الباب روايةٌ قابلة للعمل عنده، وإن كان في أدنى مراتبِ الحسن، وإلا لم تجىء عنه تلك الرواية. وتفرد الشيخ ابن الهُمَام منا واختار الوجوب وقال: إن الأحاديث فيه لِتَعَاضُدِ بعضها ببعض بلغت مرتبة الحُسن، فانجبر الضَّعفُ بتعدد الطرق. ولعل البخاري أيضًا اختار الوجوب كما اختاره رفيقه في السفر داود الظاهري. وكنت أرى أنَّه ليس رجلًا محققًا، فلما طالعت كتبَه علمتُ أنَّه عالمٌ جليلُ القدر رفيعُ الشأن.
وإنَّما لم يسمَّ الوضوءَ لئلا يكون إشارةً إلى تحسين للأحاديث التي وردت في هذا الباب عنده. وحديث الترمذي ليس قابلًا عنده لترجمته أيضًا، فانْظُر رِفعة المصنِّف رحمه الله تعالى أنَّ ما يخرِّجُه الأئمة تحت أبوابهم لا يذكره المصنِّفُ رحمه الله تعالى في تراجمه، بل لا يحبُ أَنْ يشيرَ إليه أيضًا، مع أن في نيته إثباتُ التسمية عند الوضوء، إلا أنَّه لما لم يكن عنده حديث معتبر في هذا الباب خاصة تمسك من العمومات، وأدخلَ الوضوءَ تحتها، وضمَّ معه الجِمَاع، ليُعلم أن التسمية لما كانت مشروعة قبل الجماع، فأَن تكون قبل الوضوء أولى. فكأنَّه استدلال من النَّظائر.
وقد يخطر ببالي أنَّ المصنِّف رحمه الله تعالى مع كثرة قياساته كيف يُنْكِرُ القياسَ؟ ثم ظهر لي أنَّه يعمل بتنقيح المناط. ولم يُنبه عليه أحد من الشارحين. فالحديث وإن ورد في جزئية واحدةٍ من الجماع لكنه بعد تنقيح المناط صار عامًا، فبوَّبَ بالتسمية في كل حال. قلت: والنَّظر المعنوي يحكمُ بوجوب التسمية في كل حال، فإِنَّ الشيطان لا يزالُ يراقب الإنسان، ولا يجدُ موضعًا إلا ويلقي النقيصةَ فيه فعند الغائط يلعبُ بمقاعِدِ بني آدم، ويَشْتَرِكُ معه في الجماع والأكل، ويُفْسدُ الأواني، ويقطع الصلاةَ إذا لم تكن بين يديه سترة، ويوسوس في الوضوء، ويجلس على خَيَاشِيْمِهِ عند النوم، ويَضْحَكُ منه إذا قال في صلاته: «ها» إلى غير ذلك من مفاسده التي أَخْبَر بها الشرع. والمخلَّصُ هو التسميةُ لا غير.
ثم الذي يتضح: أنَّ الوجوب والحُرْمة لا يترتبان على الأنظار المعنوية، بل إنَّما يتعلقان بأمر الشارع ونهيه، فإِذا لحَقَهُ أمرُ الشارع أو نهيُه يكون واجبًا أو حرامًا. ولا شك أن الواجباتِ كلها تشتملُ على المنافع والمحرمات بأسرها على المضار، إلا أنَّه لا يلزمُ عكسه. ورُبَّ شيءٍ يكون مُضرًا ثم لا يحرِّمُه الشارع شفقة على النَّاس ورحمة لهم، ورُبَّ شيءٍ يكون فيه منفعةً عظيمةً ثم لا يأمرُ به الشرع. نعم، يكون له صلوح للأمر، كالنوم حالة الجَنَابة، فإِنه لا تحضر جنازته ملائكة الله، وأي ضَرَرٍ أعظمُ منه؟ إلا أنه لم يوجب عليه غُسلًا تيسيرًا له، وإنَّ الدين يُسرٌ.