الكلام في الربط بين القرآن والحديث والفقه كيف هو؟
واعلم أن فهمَ الحديثِ والإطلاع على أغراض الشارع مما لا يتيسرُ إلاّ بعد علم الفقه، لأنه لا يمكنُ شرحُه بمجرد اللغة ما دام لم يظهر فيه أقوال الصحابة رضي الله عنهم ومذاهب الأئمة بل يبقى معلقًا [1]، لا يُدرى وجوههُ وطرقه، فإِذا انكشف ما ذهب إليه الذاهبون واختاره المختارون خفَّ عليك أن تختارَ واحدًا من هذه الوجوه، وهو حال الحديث مع القرآن ربما يتعذرُ تحصيلُ مرادِهِ بدون المراجعة إلى الأحاديث، فإذا ورردت الأحاديث التي تتعلق به قُرُب اقتناصُ غرضِ الشارع. وهذا من غاية علوه ورفعة محله، بل كلما كان الكلامُ أبلغَ كان في اجتمال الوجوه أزيدَ، ولا يُفهم هذا المعنى إلاّ من عُنِيَ به.
وأما الجاهل فيزعمه سهل الوصول لقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذّكْرِ} [القمر: 17] إلخ ولا يدري أنه ليس تيسرُه على قدر ما فهمه، بل معناه أنه يشتركُ في تحصيل معناه والاستفادة منه الأعالي والأداني، لكنه يكون بقدر نصيبهم من العلم. وهذا من غاية إعجازه، يسمعه الجاهلُ ويأخذ منه علمًا بقدره، ويَرَاه الفحولُ ويُفعِمون منه دِلاءً بقدر أفهامهم، بخلاف كلام الناس فإِنه إن كان ملتحقًا بأصوات الحيوانات فإِنه لا يَلتفِتُ إليه البلغاء، وإن كان في مرتبة من البلاغة لا يُدرِكُ مرادَه الجهلاء. وهذا كتابٌ بلغ في مراتب البلاغة أقصاهما ولم يزل سحاب علومِهِ مَاطِرًا على كافة الناس، عقلائهم وسفهائهم سواء بسواء، وهذا معنى التيسير لا ما فهموه.
53 - باب ذِكْرِ الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا فِى الْمَسْجِدِ
133 - حَدَّثَنِى قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِى الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ».
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. أطرافه 1522، 1525، 1527، 1528، 7344 - تحفة 8291 [1] ولا يّشُق عليك هذا اللفظ، فإِنه رُوي عن الإِمام أبي حنيفة النعمان كما في "الميزان": لولا السنة ما فَهِمَ أحدٌ منا القرآن وعن الإِمام الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقولُه الأئمة شرح للسنة، وجميع السنة شرح للقرآن. وقد روي عن عمران بن حُصين رضي الله عنه: أنه قال لرجل: إنك امرؤ أحمق، أتجدُ في كتاب الله الظهرَ أربعًا لا يجهر فيها بالقراءة، ثم عدَّد إليه الصلاة والزكاة ونحو هذا، ثم قال: أتجد هذا في كتاب الله مفسرًا وإنَّ كتاب الله أبهم هذا وأن السنة تفسر ذلك. وقال الأوزاعي: الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب. قال ابن عبد البر: يريد أنها تقضي عليه وتبين المراد منه. وسئل أحمد بن حنبل عن الحديث الذي رُوي أن السنةَ قاضيةٌ على الكتاب، فقال: ما أجسرُ على هذا، ولكني أقول: إن السنة تفسر الكتاب. كذا في "الموافقات" مع اختصار.