قوله: (أوتحتلم المرأة؟) واعلم أنه احتُلف في الاحتلام في حق الأنبياء، والحقُّ إنه يجوز في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلاّ أنه يكون لامتلاء كِيَسَة المنى ولا دخل فيه للشيطان. وما نقل [1] عن محمد رحمه الله تعالى: أن لا غُسل على المرأة إذا احتلمت، فتأويلُه أنه إذا لم يخرج من عضوها الداخل إلى الخارج.
قوله: (بم يشبهها؟) وفسروا العُلُو تارةً بالغلبة، وأخرى بالسبق.
52 - باب مَنِ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ
132 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِىِّ عَنْ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِىٍّ قَالَ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ فَقَالَ «فِيهِ الْوُضُوءُ». طرفاه 178، 269 - تحفة 10264
وجه الاستحياء مذكور في لفظ الحديث هو قوله: «لمكان ابنته تحته» وهو معنى صحيح.
132 - قوله: (فأمرت المقداد) أي للسؤال في حق نفسه. وسأل هو أيضًا، لكنه على طريق الفَرَض بدون التعرُّض إلى الواقعة لمن هي، فلا تناقض.
قوله: (ففيه الوضوء) وذهب أحمد رحمه الله تعالى إلى أنّ الحديثَ من أحكام المذي دون الصلاة، فينبغي أن يكون الوضوءُ عقيب خروجه، لا عند القيام إلى الصلاة فقط. وهكذا نسبه الشوكاني في «النيل» إلى الحنفية أيضًا. قلت: ولا أترددُ في أن المطلوبَ عند الشرع هو إزالة النجاسات على الفور. والتلطخ بها زمانًا مكروهٌ عنده قطعًا إلاّ أن أثرّه لمّا لم يظهر إلاّ عند القيام إلى الصلاة جاء الخمول في كتب الفقه كحكم الديانات، فإِنها قلما تُذكر في المتون وعامة الشروح.
ووجهه أن الفقهاء عامة يتعرضون إلى بيان الفرائض والواجبات، وقليلًا ما يذكرون المُستحبات والسننِ الزوائد. ولما كان هذا النوع من الوضوء مستحبًا عقيبَ خروج المذي، وواجبًا عند القيام إلى الصلاة، لم يذكروه إلاّ عند القيام إليها. ثم إنه إن توضأ عقيبه وقام إلى الصلاة متصلًا يتأدى في زمنه الفرضُ أيضًا، وفي بعض طرقه: غسل العضو فقط، وفي بعضها: غسل الانثيين أيضًا، وفي بعضها: غسل المرفقين أيضًا، وتصدى المحدثون إلى إعلاله. قلت: هو صحيح ويحمل على الاستحباب. وما ذكره الطحاوي الغُسل للعلاج لا يريد به العلاج الطبي، بل انقطاع التقطير في الحالة الراهنة، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلّم للمستحاضة أن تغتسلَ ولبعضها أن تجلس في المِرْكن. [1] وتفصيله: أن في مني المرأة اختلافًا للأَطباء، فذهب أرسطو إلى تحقيق المني في النساء، وذهب جالينوس إلى نفيه وقال: إنه رطوبة أخرى يشبه المني، ويكون الولد من ماءِ الرجل فقط، بخلاف أرسطو فإنه اختار كون الولد من مجموع مني الرجل والمرأة، ولا بُعدَ أن يكون قول محمد رضي الله عنه مبنيًا على هذا الاختلاف. وأما تأويله على مذهب الجمهور فقد ذكرناه. هكذا وجدته في تقرير المولى عبد العزيز بالهندية فيما ضبطه من إملاء الشيخ رحمه الله تعالى.