وإطلاق السمر في العلم كإطلاق التغني في القرآن، وإلا فالسمر لا يكون إلا في غير العلم كالقصص والحكايات. وقال النبي صلى الله عليه وسلّم «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» وألطفُ شروحِهِ ما ذكره ابن العربي: أن مراده وضعُ القرآن موضعَ الغناء واختياره مكانه، فإن الغناءَ ألذُ عند عامة الناسِ، والمطلوب تركه، فإذا تركه لا بد أن يضعَ مكانه شيئًا آخر يتلذذُ به، فعلى المؤمن الخاشع أن يجعلَ القرآنَ مقامَه ويتنزه قلبه به، ويتركَ ما لا يعنيه، ويشتغل بما يعنيه. ومن لم يفعل كذلك واشتغل باللهو والغناء وأضاعَ فيه وقته وجعلَ القرآن خلفَ ظهره، فإنه ليس منه صلى الله عليه وسلّم وليس على طريقه.
قوله: (أرأيتكم) قال النُّحاة: ضميرُ المنفصلِ فيه تأكيدٌ للمتصل. ومعناه: أرأيتم ومحصلُه أخبرني على حد قول سعدى في بوستان.
*"دو لشكر بهم برزدنذا زكمين ... توكفتى زدند آسمان برزمين"
يعني: لو كنتُ هناك لقلتُ هذا وكذلك معناه، لو كنت فرأيت فأخبرت.
116 - قوله: (لا يبقى) ... إلخ وقد وقعَ في شرحه أغلاطٌ. ومعناه: أن كل من كان موجودًا في وقت تكلمه على وجه الأرض فإنه لا يتجاوزُ عن هذه المدة، فالذين وُلدُوا بعد هذه، لم يدخلوا تحت هذه المقُولة، وكذا لا حكمَ فيه بأن عمرَ أمته لا يزيد عليه. ومن ههنا قال المحدثون: إن دعوى الصُّحْبة بعد تلك المدة باطلة كما ادَّعى بابًا رَتَن في بهتندا وردَّ عليه الذهبي فأخطأ في اسمه فكتبه «بطرند». وتصحيح اسم لسان من عالمِ لسان آخر أمرٌ عسير. وآخرهم وفاةً في مكة إنما هو عامر أبو طفيل، وفي المدينة جابر رضي الله عنه، وأنهما ماتا في تلك المئة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلّم.
ثم تكلم في الخضر أنه حي الآن أو مات هو أيضًا؟ ونسب إلى البخاري أنه ليس بحيِّ. وعند عامتهم هو حيّ. وأحسن ما يستدل به على حياته ما في «الإصابة» بإسناد جيد أنّه خرج عمر بن عبد العزيز مرة من المسجد ومشى مع رجل يتكلم معه فلم يعرفه الناس، فسألوه عنه فقال: إنه كان خَضِرًا. والعرفاء أيضًا ذهبوا إلى حياته إلا أنهم قالوا: بالبدن المثالي كما صرح به بحر العلوم. ثم قيل في وجه الجواب: أنه يمكن أن يكون على وجه البحر إذ ذاك لا على وجه الأرض، فلا يدخل في قضية الحديث.
وعندي هو مخصوصٌ، فإن العموم على التحقيق ظني. ثم هو من رجال الأمم السابقة وغائب عن الأبصار، فلا بُعدَ في أن لا يشمَلَه الكلام ويبقى خارجًا عنه. ومن زوال كلام البلغاء لا يراها تأويلًا، بل هو الطريق المسلوك في العبارات.
117 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا فِى لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ «نَامَ الْغُلَيِّمُ». أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى