محمد، أي البخاري: اجعلوه كذلك على الشك فإني سمعت من شيخي هكذا إلى أن قال: «فمن قتل قتيلًا فهو بخير النظرين» ... إلخ. وكانت هذه واقعةٌ قَتَلَ مَسلمٌ ذميًا، لأن الرجل وإن لم يكن ذميًا لكنه كان في حكمهم، لأنه لما أمر بالكفِّ عن القتال وأمن الناس فدخل هذا الرجل أيضًا في أمنه، والنبي صلى الله عليه وسلّم ذَكَرَ فيه القصاصَ صراحةً، فإن النظرة الواحدةَ هي القصاصُ، فمورد الحديثِ يُقوي مذهبنا ويلزم عليهم أن يخصِّصوا النصَّ بما وراء المورد، فلا يكون له حكم في المورد.
وهذه المسألة اختلف فيها الأصوليون: أنه هل يجوز إخراج مورد الحديث عن حكم النص أولًا؟ والظاهرُ أنه لا يجوز، فعليهم أن يخصُّوا النصَّ بما وراء المورد. وإنما لم يقتص منه النبي صلى الله عليه وسلّم مع جَوَازِه لأنه أعذره، وكان الموضِعُ تسامحٍ وإغماض، لأن إعلان الأمن كان عن قريب، واحتملت المدة أن لا يشيعَ خبرُهُ ولا يصل إلى الأطراف أو يقال: إنه عَفَى عنه، وهذا جائز بشرطِ عدم الخُصومة والمراضاة، كما في فقهنا: أن المستحب للقاضي أن يدعوهم إلى الصلح أولًا كالتحكيم. وفَعَلَه عمر رضي الله عنه في الحقوق المالية كثيرًا. وإنما أدى الدية من قِبَلَ نفسه إطفاءًا لنار الفتنة.
ثم عند الترمذي في كتاب الديات ما هو أصرح منه في شموله سبب الورود أيضًا. عن أبي شُريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «ثم إنكم معشر خُزَاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل، وإني عاقلته فمن قتل له قتيل بعد اليوم فأهله بين الخيرتين ... إلخ» فهذا يدل على أنه كان ينبغي أن يقتصَّ منه إلا أنه أغمض عنه لمصلحةٍ رآها. ثم إن الحافظ نقل رواية عن الواقدي واستدل منه لمذهبه، إلا أنه لم يُسمِّه، فقلت: سبحان الله، وهل يُستدل بمثل الواقدي في أحكام الفقه؟ ولو فعله حنفيٌ لبقي عليه عارهُ أبدَ الدهر.
وتحصل من المجموع أربعة أجوبة:
الأول: أن المراد من الكافر هو الحربي دون الذمي، بقرينة مقابلته بالذمي.
والثاني: أن الحديث في وضع دماء الجاهلية.
والثالث: أن الذمي في حكمِ المسلم في النفس فقط والمال بنص الحديث وبالعهد فيدخل في المسلم بهذا الاعتبار.
والرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلّم أعلنَ في خُطبته بالقِصاص بين المسلم والذمي، فاعلمه.
112 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِى لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَخَطَبَ فَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ - أَوِ الْفِيلَ شَكَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِى أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلاَ