الرِّوايات من الراوي، وكلامُ الحافظ ابن القيِّم رحمه الله تعالى في «كتاب الروح» يُشْعِرُ بأن السؤال مخصوصٌ بالمُنَافِقِ فقط. أما النُّسخة عند البخاري بحرفِ الجَمْعِ فلا ينبغي أن يُدَار عليها المسألة؛ لأن في أكثرها التَّرديد، والكلامُ مستوفٍ في كتبِ الكلام. والمختارُ عندي أن السؤال يكونُ من الكافر أيضًا. ثم السُّؤالُ عندي يكونُ بالجَسَدِ مع الرُّوْحِ كما أشار إليه صاحب «الهداية» في الإيمان. وقال الصوفية: إنه بالجسد المثالي دون التُّرابي. قال العارف الجامي رحمه الله تعالى: إن الغالبَ في هذا العالم أحكامُ الأجسادِ، وأحكامُ الرُّوحِ مستورةٌ لظهورِ الجسد وخفاءِ الروحِ، وينعكس الحالُ في البرزخ وتظهر أحكام الروح. أما المحشر فيتساوى فيه الحُكْمَان والله تعالى أعلمَ. ولا بُعْد في تعذيب الجسد بعد تَمَزُّقِهِ فإنه يُبْنَى على عدم الشُّعُور في الجمادات وهو في حيِّز الخفاء، وقد تناقض فيه كلام الصدرِ الشيرازي فيلوحُ من بعضِ كلامه نفيُ العلمِ عنها، ومن البعض ثبوتُ العلمِ لها.
والتحقيق عندي: أن الشعور البسيط ثابت لها قطعًا كما حَقَّقَهُ المحقِّقُون وتفصيله أن الشيرازي قال مرة: إن العلم كما لا يكون إلا بعد التجريد من جانب المعلوم كذلك لا يَتَحَقَّق إلا بعد التجريد من جانب العَالَم أيضًا، ولذا أنكر أن يكونَ القلبُ عالمًا ومدركًا. وقال في موضع آخر: إن العلم عين الوجود وهذا مناقضٌ للأول كما ترى، وإذ قد ثَبَتَ الشُّعُورُ البسيطُ في الجمادات عندي فلا بِدَعَ في تعذيبِ ذراتِ الجسمِ في محالِّها وتعيينِ الوضعِ ليس بلازمٍ فتُعَذَّبُ كلُّ ذرةٍ في مكانِهَا، والله تعالى أعلم بالصواب.