من مالك رحمه الله تعالى إلا أن أصحابه أَضَاعُوه. وقال ابنُ خَلِّكان في تاريخه: إني رأيت في بعض الكُتُب أنه حنفيٌّ. عند الطحاوي في «باب القراءة خلف الإمام» إسناد فيه ذلك الليث وهذه صورته: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال أخبرني الليث عن يَعْقُوب - وهو أبو يوسف - عن النُّعمان - أي أبي حنيفة - عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» فهذا الإسناد أيضًا قرينة على كونه حنفيًا لكونه تلميذَ أبي يوسف. قال الليْثُ: إني كنت أَسْمَع اسم أبي حنيفة رحمه الله تعالى وكنت مولعًا بِلُقِيِّهِ فوجدتُهُ بمكة قد أكب عليه الناس يستفتونه فبينما هم كذلك إذا أتاه آتٍ واستفتاه في حاجته فعَجِبْتُ على جوابه بداهَةً.
قوله: (لأرى الرِّيَّ) وهذا من باب المحاورات فلا يقال إنه كيف رأى الرِّيُّ مع كونه غير مرئي؟
حكاية: ذكر الشيخ الأكبر حكاية عن بَقي بن مَخْلَد في «الفصوص» أنه رأى في المنام أن النبي صلى الله عليه وسلّم سقاه لبنًا فاستقاء بعدما استيقظ تصديقًا لرؤياه، فخرج اللبن في قَيْئِهِ. قال الشيخ الأكبر: كان هو العلم فلو كان تَرَكَه لكان أَحْسَن، ولكنه لما استقاء تحوَّل العلم إلى صورة اللبن: قلت: ولا بأس فإنه لو قُدِّرَ له من العلم النَبَوِيّ حِصّة يفوز بها ولا يَخِيْبُ منها بالاستقاء كما أن النبي صلى الله عليه وسلّم أعطى الفضل ولم ينقص من علمه شيء. (من هو بقي) كذلك بقي وإن استقاء اللبن لكنه لا ينقص من علمه الذي قُدِّرَ له وبَقِي محدِّثٌ جليلُ القَدْرِ من تلامذة أحمد رحمه الله تعالى، وصَنَّف في الحديث كتابًا جمع فيه ثلاثينَ ألف حديث (30.000) كذا ذكره الذهبي. وبَقِي من معاصري البخاري وقد أخذ عن أحمد كثيرًا ولعله تَعَلَّم منه حين كان أحمد رحمه الله تعالى يجلس للدرس. ثم لما أَتَتْ عليه الحوادثُ في خَلْقِ القرآن تَرَكَهُ، وكان البخاري بَلَغَهُ مرة وهو صغير السن ثم رحل إليه بعد أن كان أحمد ترك الدرسَ، ولذا لم يخرِّج عنه البخاري إلا ثلاثة أو أربعة أحاديث منها. وكتاب بَقِي هذا لم يَفُزْ به الذهبي.
والذهبي ممن قيل في حقه أنه لو أقيم على أكْمَةَ والرّواة بين يديه يعرف كلًا منهم بأسمائِهم وأسماءِ آبائهم. ويتلو كتابَ بَقِي «مسند أحمد» فإنه جمع أربعين ألف حديثٍ، ثم «كنز العمال» فإن فيه أيضًا ذخيرة عظيمة للأحاديث.