لم يكن الله سبحانه وإن كان غيره واحدًا كان أو ألفًا لفسدت السموات والأرض، فهو الذي أمسك السموات والأرض أن تزولا، فهو قيام السموات والأرض ولو لم يكن الله بفرض المحال لزالتا عن مكانهما، ولئن زالتا لم يكن أحد ليمسكهما من بعده. وغفل بعض الناس عنه فذهب يزعم أن معناها بطلان التعدد فقط، والتحقيق أنه لبيان فساد العالمين على تقدير وجود أحد غيره تعالى ولو كان واحدًا أو ألفًا. إذا علمت معنى غير فاسمع أن البخاري أخذه للنعت، فمعناه أنه صلّى إلى شيءٍ مغايرٍ للجدار فثبتت السُّترة ولكنّها لم تكن جِدارًا بل كانت شيئًا مغايرًا له. وأخذ البيهقي بمعنى النفي المحض فمعناه أنه كان يصلي ولم يكن بين يديه جدارٌ، ولفظ غير وإن كان يستعمل للنفي المحض أيضًا، سيما إذا تقدّمته لفظة «من» و «إلى» كما في «المطول» لكن ما اختاره البخاري أوْلَى وعليه تظهر فائدة التعرّض إلى نفي الجِدار وخاصة، لأنه إذا لم يكن هناك جدار ولا غيرُهُ فالتعرض إلى نفيه خاصة لغو.
(وأرسلت الأتان ... إلخ) وفي بعض طرقه أنه مرَّ بين يديهم راكبًا ورأيت في بعض الشُّرُوح مسألة وهي: أن رجلًا لو مرَّ راجلًا وراءَ الإمام أثم وإن كان راكبًا فلا.
قلت: ولا يتأتّى هذا على مذهبنا فإن المعتبر عندنا في المرور هو المحاذاة، فإذا حاذى أعضاء المارّ أعضاءَ المصلِّي أو عضوًا منه اإثِمَ بدون تفصيلٍ بين الرُّكوب وعدمه. وأجاب بعضهم على ما اختاره البخاري من ثبوت السُّترة، أن مروره كان من وراء السُّترة.
قلت: نعم هذا الكلام يأتي على مسائلنا أيضًا بشرط أن يكون مروره خارج السترة، وفي كتب المالكية أن سترة الإمام ما كان بين يديه من خَشَبٍ أو رُمْحٍ أو غيرِهِما، ثم الإمام بنفسه سُترة للقوم، ويلزم منه أنه لو مرَّ أحدٌ داخلَ السترة قُدَّام الإمام فلا شيء عليه؛ لأن الإمام نفسَه سُتْرةٌ للقوم، فكأنه لم يمرّ بين أيديهم.
قلت: وهذا صادق في حق القوم أما في حق الإمام فلا يَصْدُق على مذهب المالِكيّة أيضًا، فإنه قد مرّ بين الإمام وسُتْرَتِهِ وإن لم يمرّ بين القوم وسترتهم. وإنما لا يكون مُرُورُهُ بين يدي الإمام إذا فُرِضَ مُرورُهُ وراءَ السترةِ مع أنه قد فُرِضَ مرورُهُ أمام الإمام، فيكون مارًّا بين يدي الإمام وإن لم يكن مَارًّا أمام القوم، فإن الإمام سترةٌ لهم على مذهب المالكية بخلافه على مذهبنا فإنّه يأثم مطلقًا؛ فإن سترة الإمام هي سترة للقوم وليس الإمامُ نفسُهُ سترةً للقومِ، فيكون المرورُ داخلَ السترةِ أمامَ الإمام كالمرورِ بين أيديهم بدونِ السُّترةِ، فإن حُكْمُهَا فيما وراءَها فقط.
قوله: (مجة مجها) هذه مُطَايَبَةٌ منه صلى الله عليه وسلّم