وقضِيْضِه مخلوق عندنا. وقال الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى: إنه لم يَقُل أحد من الفلاسفة بقدَم العالم، وكان أفلاطون أيضًا قائلًا بحدوثه، حتى جاء أرسطاطاليس المخذول فاعتقد بقدمه، وهو باطل قطعًا، وقائله كافر، واتفقت الأديان السماوية على حدوث العالم. نعم نُسب إلى بعض الصوفية قدم بعض الأشياء كالشيخ الأكبر، وقال الشعراني الشافعي رحمه الله تعالى: إن هذه العبارات كلها مدسوسة.
أقول: وقد تفرَّد الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى ببعض المسائل أيضًا، فإنه قد اعتبر إيمان فرعون وإن لم يكن توبة، فيعاقب بما فعل، لكنه لا يُخلَّد في النار عنده، ونَسَبَ بحر العلوم إلى الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى قدم بعض الأشياء. وظَنّي أن تلك النسبة صحيحة. وأما ما نَسَبَ الدَّوَّاني إلى ابن تيمية رحمه الله تعالى من قدم العرش، فليس بصحيح عندي، كما قلتُ فيما ألحقت بالقصيدة النونية لابن القيم رحمه الله تعالى:
*واللَّهُ كان وليس شيءٌ غيره ... سبحانه جَلَّ العظيمُ الشانِ
*واللَّهُ خالقُ كلِّ شيءٍ غيره ... ما ربُّنا والخلقُ مُقْتَرِنَانِ
*لَسْنَا نقولُ كما يقول المُـ ... ـلْحِدُ الزِّنْدِيْقُ صاحبُ مَنْطِقِ اليُونَانِ
*بِدَوَامِ هذا العَالَمِ المشهودِ والـ ... ـأرواح في أزلٍ وليس بفَانِ
*وهو ابنُ سِينا القِرْمِطِي غدا مدى ... شرك الرَّدى وشريطة الشيطانِ
*والعرشُ أيضًا حادثٌ عند الوَرَى ... ومِنْ الخطأ حكايةُ الدَّوَّاني
*وإذِ الحوادثُ لا نَفَادَ لها فلا ... يَصِل المضاء لحادث الإبَّانِ
*وكغابرٍ ماضٍ وما مِنْ فارقٍ ... فاثبُتْ فإنّ الكفرَ في الخِذْلانِ
ولي قصيدة طويلة تزيد على أربع مئة بيت في إثبات الصانع وحدوث العالم المسماة: «بضرب الخاتم»، وأيضًا رسالة أخرى ذَكرتُ فيها ما لم أُسْبَقْ إليه.
فائدة
واعلم أن الحدوث الذاتي لم يَقُل به أحد من الفلاسفة حتى جاء ابن سيناء فاخترعه من عنده، يبتغي بذلك أن يتَّخِذ بين الإسلام والفلسفة سبيلًا، وكان فلاسفةُ اليونان قائلين بِقِدَمِ الأفلاك والعناصر بالشخص، وبِقِدَم المواليد الثلاثة: الجمادات، والنباتات، والحيوانات بالنوع، وقد بَيَّنْتُ بُطلانه في رسالتي. وقد صنف ابن رشد كتابًا سماه «تهافت التهافت» وتعقَّب فيه على الغزالي، وعلَّقْتُ عليه رسالة لدحض ما أَوْرَدَ على الغزالي، إلا أنه لم يتفق طبعه. وابن رشد هذا أحذق عندي من ابن سيناء، ويفهم كلام أرسطو أزيدَ منه.
«حج البيت»: قيل إن مجيء ضِمَام بن ثعلبة في السنة الخامسة وفرضية الحج في السادسة أو التاسعة، فكيف ذكر الحج فيه؟ وأجيب بأن فرضية الحج من قبلُ. وأما في السادسة أو التاسعة فتفصيلٌ لأحكامه، وفيه نظر وسيأتي.