الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِى أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ». طرفه 2051 - تحفة 11624
52 - (مشتبهات) رُوي من الإفعال والتفعيل والافتعال. واعلم أن المفسرينَ اختلفوا في تفسير قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَبِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] فقيل: ملتبسات. واعتُرِض عليهم بأن الله تعالى قد وصف به جميعَ كتابه في موضع آخر، وقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَبًا مُّتَشَابِهًا} [الزمر: 23] ومعناه هناك كتابًا يصدِّق بعضه بعضًا، لا أنه يلتبسُ بعضُهُ ببعض، فإن هذا المعنى لا يليق أن يتصف به كتاب الله تعالى كما هو ظاهر، فأخذ بعضهم معنى التصديق في قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} أيضًا وهو مروي عن مجاهد. وذكره البخاري في التفسير. أقول: والمُتَشَابَه بمعنى المُصَدق، قريب من معنى المُحكم، وليس بينهما كثيرُ فرق، مع أن الله تعالى قابل بينهما وسَمَّى الذين يتبعونَ ما تشابه منه بالزائغين. وعلى هذا فتفسيرُ مجاهد مرجوحٌ، وكان ينبغي أن لا يذكره البخاري، والعذر عن البخاري رحمه الله تعالى يجيء في موضِعه.
فمعنى المتشابهات في قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} هو الملتبسات، وفي قوله: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} هو التصديق، أي مصدقًا بعضُهُ بعضًا. فإن قلت: إنه يوجب الانتشار في مطالب القرآن. قلت: لا انتشار فيه، لأن تغاير المعاني عند تغايرُ الصِّلات وإن كانت محذوفةً في اللفظ ليس من الانتشار في شيء. فالتَّشَابُه إذا كانت صلته «على» يكون معناه الالتباس، كما في قوله تعالى: {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: 70] أي التبس علينا، وهو المراد في قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَبِهَتٌ} وإذا كانت صِلته اللام يكون بمعنى التصديق، وهو المراد في قوله: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} يعني متشابهًا لكم، أي مصدقًا بعضُهُ بعضًا. والسِّرُ فيه عندي أن اللفظَ إذا تغاير معناه عند تغاير الصلات يكون مشتركًا معنويًا.
(لا يعلمها كثير من الناس) أي لا يعلم حكمُها، كما عند الترمذي بلفظ: «لا يدري كثير من الناس أَمِنَ الحلال هي؟ أم من الحرام؟». ومفهوم قوله: «كثير» أن بعضًا منهم يعلمها وهم المجتهدون، فحينئذٍ يكون الاشتباه في حق غيرهم. وقد يقع الاشتباه لهم أيضًا، حيث لا يظهرُ لهم ترجيحُ أحدُ الدليلين، كذا ذكره الحافظ.
(لكل ملك حمى ... إلخ) وعندنا يجوز الحمى للإمام فقط، كما كان عمر رضي الله تعالى عنه بَنَى رَبْضةً لخيل الجهاد دون غيره. أما الملوك فكانوا يتخذون الحِمى لأنفسهم، وذلك محظور في الشرع، وأما حِمى الله فهو مطلوبٌ لله تعالى أن لا يرعَى عبدَه حولَه، ففيه تشبيه محمودٍ بمذموم، ولا ينبغي أخذ المسائل والأحكام من التشبيهات، فاعلمه، فإنه مهمٌ، وقد يَغْلَط فيه الناس. ثم الحديث إنما جاء على عُرْف الملوك وعاداتهم، وكان من عادات ملوكهم اتخاذُ الحمى كما علمتَ.
(ألا وهي القلب) ونِسبة القلب إلى الجسد كنسبة الأمير إلى المأمور وهو الأصل،