تعزيرًا، ولنا عند أبي داود عن أبي مَحَيريزٍ أن رجلًا من بني كِنَانَة يُدعى المَخْدَجِيَّ سَمِعَ رجلًا بالشام يُدعى أبا محمد يقول: إن الوترَ واجبٌ، قال المخدجي: فَرحتُ إلى عُبادة بن الصامت رضي الله عنه فأخبرتُه، فقال عُبادة رضي الله عنه: كذب أبو محمدٍ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: خمسُ صَلَواتٍ كَتبهنَّ اللَّهُ على العباد، فمن جاء بِهنَّ لم يضيِّعْ منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهن، كان له عند الله عهدًا أن يُدخِله الجنةَ، ومن لم يأت بِهنَّ فليس له عند الله عهدٌ، إن شاء عَذَّبه، وإن شاء أدخَلَه الجنة. انتهى. فلو كان تاركُ الصلاة كافرًا لجزم بدخوله النار، ولكنه أبقى أمره تحت المشيئة، فعُلم أنه مسلم فاسق.
ونقل فيه مناظرة الإمام الشافعي وأحمد رضي الله عنهما. قال الشافعي لأحمد رضي الله عنه: سمعتك تقول. إن تارك الصلاة كافرٌ، قال: نعم، قال: فما سبيل إسلامه؟ قال: أن يصلى، قال: وهل تُقبل صلاة الكافر؟ فسكت أحمد رضي الله عنه.
بقى تواتر السلف بإطلاق الكفر على ترك الصلاة، فالأمر عندي أنه بمعنى كفرٍ دون كفر، لأني لا أعلمُ من حالهم إلا أنهم عاملوا مع أمراء الجور معاملة الفُساق، حتى صلوا على جنائزهم وصلوا خلفهم الفرائض، وتمسك النووي رضي الله عنه بحديث الباب على قتلِ تارك الصلاة. وفيه نظر؛ لأن القتال غير القتل [1]. وفي الحديث ذكر القتال، دون القتل، والقِتَال بمعنى الجِدال، كما في الحديث «أقتالًا يا سعد؟» وما عند الترمذي «فليقاتله» لمن مر بين يدي [1] قاله الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وهو من أعيان القرن الثامن، ويقال إنه شافعي، ومالكي. قال الشاه عبد العزيز في "بستان المحدثين": إنه لم يخل رجلٌ مثله أجود علمًا، وأدق نظرًا لا في السلف، ولا في الخلف، وله كتاب شهر بين الأنام يُسمى "بالإِلمام" في خمسة عشر مجلدًا، ولم يطبع وليس مفقودًا، وقد طالعت نُسخته، وله شرح يُسمَّى "بالإِمام" وقد طبع من إملائه "إحكام الأحكام"، وروي، أن الحافظ شمس الدين الذهبي ذهب إليه مرة، وكان الشيخ في شغل له، فسلم عليه، فرد عليه السلام، وقال: من أنت، وقد كان سمع اسمه، دون لقبه، فأجابه باسمه، ولم يذكر لقبه، فسأله الشيخ رحمه الله تعالى عن أبي محمد الكاهلي من هو، فأجاب من ساعته أنه: سفيان بن عيينة، فنظر إليه الشيخ من القَرَن وهو المقرون الحاجبين مختار الصحاح ص 222 مادة (قرن) إلى القدم، وكأنه تحير من سرعة جوابه، وكان الشيخ رحمه الله تعالى معاصرًا لابن تيمية رحمه الله تعالى ولم أر في التراجم أن الحافظ رحمه الله تعالى لقي الشيخ رحمه الله تعالى أم لا، مع أن الحافظ رحمه الله تعالى أقام بمصر إلى زمان، وكان الشيخ رحمه الله تعالى أيضًا هناك، فإن لم يكن لقيه فكأنه لم يحسن وكان الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى من أهل الطريقة صاحب الكرامات الباهرة، معتدل المزاج، لم يكن يتعصب للمذهب، ويتكلم بغاية الانصاف، حتى أنه ربما يأتي بكلام يفيد الحنفية ويترشح منه أنه يقصده، بخلاف الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فإنه لا ريب أنه حافظ يتكلم في غاية المتانة والتيقظ، لكنه لا يريد أن ينتفع الحنفية من كلامه ولو بجناح بعوضة، فإن حصل فذلك بلا قصد منه، ونظيرُه في العدل والنصفة منا، الحافظ الزيلعي رحمه الله تعالى، وكان أيضًا من أهل الطريقة، وقد جربتُ من أهل الطريقة ذلك العدلُ والانصافُ، ونرجو منهم فوق ذلك فإنهم عباد الله، والشيخ ابن الهمام رحمه الله تعالى أيضًا من أهل الطريقة وهو منصفٌ أيضًا غير أنه قد يخرجُ عن الاعتدال يسيرًا حماية لمذهبه. كذا في تقرير الفاضل عبد القدير والفاضل عبد العزيز، ملتقطًا من المواضع المتفرقة ومعربًا.