الواحد في هذا الفهرس، فقد تَنَبَّه بقول واحدٍ للقطعي. فهكذا الأمرُ ههنا لم يكْفُر الرجلُ إلا بإنكار قطعي في نفسه، لكن المُفتي قد يأخذُ مسألةَ التكفير من خبر واحد، فيجوز بناءُ التكفيرِ على الظني بلا خطر، لأن الظنَّ في طريق العلم بالحكم، لا في أمرِ الموجِبِ لكُفْرِ المكفَّر.
وهذا كإثبات الفرض والحرام بالقياس، نظرًا إلى حقيقة الشيء، لا نظرًا إلى طريق ثبوتِهِ، أو كالإجماع المنقول آحادًا. نعم، تكفيرُ المتكلِّمينَ يكون قطعيًا، وتكفير الفقهاء قد يكون ظنيًا، فليس هذا في الحقيقةِ خلافًا في المسألة وإنما هو اختلاف الفن والموضوع، فموضوع الفقهاء فِعْلُ المكلف، وكثير من مسائلهم ظني. وموضوع المتكلمين القطع، فلو تكلم متكلمٌ في الفقه يوافقهم في التكفيرِ، ولو ذهبَ فقيهٌ إلى فنِ المتكلمين، لا يَحْكُم به إلا بعد إنكار القطعيات.
أقسَامُ التَّوَاتُر
ثم إن التواترَ قد يكونُ من حيث الإسناد وهو معروفٌ، كحديث: «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».
وقد يكون من حيث الطبقة كتواتر القرآن، فإنه تواتر على البسيطة شرقًا وغربًا، درسًا وتلاوةً، حفظًا وقراءةً، وتلقاه الكافةُ عن الكافة، طبقة عن طبقة، فهذا لا يحتاجُ إلى إسناد معين، يكون عن فلان عن فلان. وقد يكون تواترَ عملٍ وتوارث، بتواتر العمل على شيء من لدن صاحب الشريعة إلى يومنا هذا، كالسواك. والرابع: تواتر القدر المشترك، كتواتر المعجزات، فإن مفرداتها وإن كانت آحادًا، لكن القدر المشترك متواترٌ قطعًا، كسخاء حاتم، فإن أخباره وإن كانت آحادًا، إلا أن سخاءه معلومٌ متواترًا. وقد يجتمعُ أقسامٌ منها في شيء واحد.
وعلى هذا نقول: إن الصلاة فريضةٌ، واعتقاد فريضتَها فرضٌ، وتحصيل علمُها فرض، وجَحدها كفر، وكذا جهلُهَا، والسِّوَاك سنةٌ، واعتقادُ سنيتَه فرضٌ، لأنه ثَبَتَ متواترًا بأنحاء التواتر وتحصيل علمُهُ سنةٌ، وجحودهُ كفرٌ، وجهلهُ حِرمانٌ، وتركُه عتَابٌ أو عِقَاب.
ثم إن التواترَ يزعمه بعض الناس قليلًا، كما نقله الحافظ في «شرح نُخْبَةِ الفِكر»: أن بعضهم أنكروا مِثاله، وبعضهم ادعوا العِزَّة فيه، ولم يأتوا إلا بمثال أو مثالين. وهو على ما قلت كثير في شريعتنا، بحيث يفوت عنه الحصر، ويعجزُ الإنسان أن يفهرِسَه، ولكن ربما يذهل الإنسان عن التفاته، فإذا التفت إليه رآه متواترًا كالبديهي، وهذا مما ينبغي أن يُنَّبه عليه.
أَقْسَامُ الكُفْر
هذا آخرما أردنا تحريره في هذا المقام، لتكون على ذكرٍ من أمرِ الإيمان ومواضعِ الخلافِ فيه، ثم يأتي عليك أشياء في أثناء الكلام. وسنقررها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
وقد علمتَ أنّ الكفرَ بالمعنى اللغوي، لا يقابل الإيمان. نعم، يقابلُهُ بالمعنى الشرعي. قال الوَاحِدِيّ [1]: وهو كفرُ إنكارٍ، وجحودٍ، ومعانَدَةٍ، ونفاقٍ، فمن لقيه بشيء من ذلك لم يُغفَر له. [1] وقد يقال: إن المخالفَ للدين الحقِّ، إن لم يعترف به ولم يذعِنْ له ظاهرًا ولا باطنًا، فهو الكافر. وإن اعترف بلسانه، وقلبه على الكفر، فهو المنافق. وإن اعترف به ظاهرًا وباطنًا، لكنه يفسرُ بعض ما ثَبَتَ بالدين ضرورةً =