التفاضل في أمور تتعلق بالإيمان من الخشية وغيرها. فالإيمانُ بمعنى التقوى والخشية، يزيد وينقص، والناس يتفاضلون فيه على نص الطحاوي نعم، هناك أصلُ الإيمان، وهو واحد، ولا تفاوت فيه.
ومن ههنا علمت: أن هذا الاختلاف ليس من باب النزاع اللفظي على اصطلاح المناطقة، فإنه ليس من دَأْب المحصلين، فضلًا عن الأئمة المجتهدين، بل من باب الاختلاف في الأنظار، بمعنى أن هذا مؤدٍ لِطَرفٍ صحيح. وهذا أيضًا لطرفٍ آخر صحيح. وعند كل حِصةٌ صحيحة. والناجي عندَ واحدٍ ناجٍ عند آخر، وكذلك الهالك عند واحد هالك عند آخر. وإنما تعرض الإمامُ إلى تلك المرتبة، لأن الإيمانَ عند السلفِ كان عبارة عن المجموع، ولم يكن هذا المجموع مدارًا للنجاة، بحيث تنعدم النجاةُ بانعدام جزء منه، فوجب أن يُنَبِّه على الحصة التي يدورُ عليها أمر النجاة، وهذا أيضًا كان أهم، فنبَّه الإمام على أن الإيمانَ المركبَ ليس مدارًا للنجاة المطلقة، بل هو مدارٌ للنجاة الأولية.
أما الذي تنتفي النجاةُ بانتفائه مطلقًا فهو التصديق، ولذا لم ينقل أحد في لفظ الإمام: بأن الإيمان لا يزيد بالطاعة، ولا ينقص بالمعصية. وهو النقيض الصريح لما يقوله السلف، ويلزمُ منه انتقاءُ الزيادة والنقصان، بمعنى السراية والتأثير أيضًا، ولم يكن مرادًا للإمام، فأُورِدَ النفيُ على غير محل الإيجاب.
والحاصل: أنه نُقل عن السلف: إثبات الزيادة والنقصان مجملًا، فأوهم ثبوتهما باعتبار نفس الإيمان، ثم نقل عنهم إثباتهما من تلقاء الأعمال، فتحققت السراية. وإذا كانت الأعمال أسبابًا، لم يبق الإيمان إلا عبارة عن التصديق، والزيادة فيه على طريق السلف لا تكون إلا في نمائه ونوره، فانكشف الأمرُ وثَلَجَ به الصدر. وأن ما يزيد وينقص عندهم هو انبساط الإيمان، وللأعمال سراية فيه، وهو تصديق أيضًا إطلاقًا للشي على مبدئه. ولو أرادوا جُزئية الأعمال لقالوا: الإيمانُ يتحقق بالطاعة وينعدمُ بعدمها، فلم يتوجهوا إلى الجزئية، بل أرادوا به بيانَ سراية الأعمال وتأثيرها في الإيمان.
والإمام لما لم يقل: إن الإيمانَ لا يزيد بالطاعة، ولا ينقص بالمعصية، عُلم أنه لم يَرد بنفي الزيادة إلا الزيادة في مرتبة محفوظة، ولذا لم ينف الزيادة في الانبساط بالطاعات، وإنما نفاها عن أصل الإيمان الذي يحصل قبل الأعمال، وأبقى الزيادةَ والنقصانَ في الخشية والتقوى، كما مر عن الطحاوي رحمه الله تعالى، فلم يكن مورِد النفي عين مورِد الإيجاب، فمعنى قوله: لا يزيد ولا ينقص: أي أصله، ومعنى قولهم: يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، أي بهائه ونمائه، فأين الخلاف؟ نعم أدى كلَّ حِصة صحيحة. ولذا صرح الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى بكون مقولتِهِ من بدعة الألفاظ، فكأنه لم يجد بُدًا من تسليم صحة مقولة الإمام رحمه الله تعالى.
ثم رأيت في «الكشاف» من الإمام الهمام رحمه الله تعالى نفسَه في الجواب عن الآيات التي تدل على الزيادة والنقصان، أن الإيمان كان يزيد في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم باعتبار المؤمن به، لأن