غير الله، فكيف قال: إن التوحيد سواء بيننا وبينكم؟
قلت: إنما خاطبهم باعتبار مزعومهم ودعاويهم، فإن النصارى أيضًا يدَّعون التوحيد مع شركهم الجليّ، وكذلك أكثر المشركين لا يؤمنون بربهم إلا وهم مشركون، ولكنهم يدَّعون بألسنتهم التوحيد، فدعاهم إلى التوحيد الصحيح بعد اشتراكهم فيه بحسب الصورة على حد قوله: {إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} [إبراهيم: 11] في جواب قولهم: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} [إبراهيم: 10] فهذا مجاراة مع الخصم.
(ابن أبي كَبْشَة) تعريض بالنبي صلى الله عليه وسلّم فإن أبا كبشة كان رجلًا في الجاهلية ترك دين آبائه وعبد الشعرى، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلّم انتقل إلى دين آخر وترك دين آبائه، - والعياذ بالله مما أرادوه، وقيل: إن أبا كبشة أحدُ أجداده، وعادةً العرب إذا انتقصت أحدًا نَسَبَتْ إلى جَدَ غامض.
(ملك بني الأصفر) والمراد منهم الرُّوم، وجعلهم العيني من ذرية إبراهيم، وليس بصحيح، وقد فصَّلته في عقيدة الإسلام في فصل مستقل. وأبو سفيان لم يكن إذ ذاك مسلمًا، لأنه أسلم في فتح مكة، ثم صار من مخلصي الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
«وكان ابن الناطوري» هذا مقولة الزهري، وهذه القطعة سمعها الزُّهري من ابن الناطور بلا واسطة، ولعله حين أسلم وكان ابن الناطور عاملًا لهرقل باعتبار منصب المملكة وكان أُسْقُفًّا بحسب العهدة المذهبية، فإن المناصب المذهبية عند النصارى عديدة: بابا، وبطريق، وكاهن، وسقف، وبوب، راجع له «المقدمة» لابن خَلدون.
7 - (صاحب إيلياء) وتمسك منه الشافعية على جواز الجمع بين معاني المشترك، فإن معنى الصاحب المصاحب والحاكم، وقد جمع بينهما ههنا، لأن صاحب إيلياء هو الحاكم، وصاحب هرقل بمعنى المصاحب، يلزم الجمع بين المعنيين. قلتُ: بل هو بمعنى واحد، والفرق باعتبار المتعلَّق، فصاحب بلد يقال له الحاكم، وصاحب رجل يقال له المصاحب، فهذا الفرق راجع إلى المتعلق دون نفس معنى اللفظ، وترجمته في الهندية (إيليا والا أور هرقل والا). ثم إن الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى صرح أن المسألة المذكورة لم يصرح بها الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وإنما أخذها الشافعية من بعض مسائله. ولو سلمنا فلنا أن نقول: إن الحديث ليس بحجة في مثل هذه الأمور، لأن الرواية بالمعنى قد فَشَتْ فيها، فلا يُؤمن بألفاظه من جهة النبي صلى الله عليه وسلّم بتًا.
(حَزَّاءً ينظر في النجوم) أي كاهنًا، فالكهانة تستند تارة إلى الشياطين، وتارة تُستفاد من أحكام النجوم، والحَزَّاء في أصل اللغة الكاهن بالتخمين، أما مَنْ ينظر في النجوم فيقال له المنجِّم، ثم إن الشرع نهى عن الاعتماد عليهم قال الحافظ: فإن قيل: كيف ساغ للبخاري هذا الخبر المُشْعِر بتقوية أمر المنجمين والاعتماد على ما تدلّ عليه أحكامهم؟ فالجواب: أنه لم
= إلى العدو، فتصحيحها إباحة السفر بالأجزاء التي فيها من القرآن, يكون في أمثالها، والكراهة للسفر بكليته إليهم عنهم عند خوفهم عليه. اهـ. مختصرًا والعبارة مشوشة.