شرح حديث: (نهى نبي الله أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها)
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال: (نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها)].
هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقد أخذ به بعض العلماء وقالوا: إنه لا بأس بالاستقبال.
قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى بعد قول الحافظ زكي الدين: وقال الترمذي: حديث غريب، وقال الترمذي: سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: حديث صحيح، وقد أعل ابن حزم حديث جابر بأنه عن أبان بن صالح وهو مجهول ولا يحتج برواية مجهول، قال ابن المفوز: أبان بن صالح مشهور ثقة صاحب حديث وهو أبان بن صالح بن عمير أبو محمد القرشي مولى لهم المكي، روى عنه ابن جريج وابن عجلان وابن إسحاق وعبيد الله بن أبي جعفر، واستشهد بروايته البخاري في صحيحه عن مجاهد والحكم بن مسلم وعطاء، وثقه يحيى بن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان والنسائي وهو والد محمد بن أبان بن صالح بن عمير الكوفي الذي روى عنه أبو الوليد وأبو داود الطيالسي وحسين الجعفي وغيرهم، وجد أبي عبد الرحمن مشكدانة شيخ مسلم وكان حافظاً، وأما الحديث فإنه انفرد به محمد بن إسحاق وليس هو ممن يحتج به في الأحكام، فكيف نعارض بحديثه الأحاديث الصحاح، أو ينسخ به السنن الثابتة مع أن التأويل في حديثه ممكن، والمخرج منه معرض.
تم كلامه.
وهو لو صح حكاية فعل لا عموم لها ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان؟ وهل كان لعذر من ضيق مكان ونحوه أو اختياراً؟ فكيف يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع، فإن قيل: فهب أن هذا الحديث معلول فما يقولون في حديث عراك عن عائشة: (ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناساً يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوقد فعلوها؟ استقبلوا بمقاعدكم القبلة)؟ ف
A أن هذا الحديث لا يصح وإنما هو موقوف على عائشة حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري.
وقال بعض الحفاظ: هذا حديث لا يصح وله علة لا يدركها إلا المعتنون بالصناعة، وذلك أن خالد بن أبي الصلت لم يحفظ متنه ولا أقام إسناده، خالفه فيه الثقة الثبت صاحب عراك بن مالك المختص به، الضابط لحديثه: جعفر بن ربيعة الفقيه، فرواه عن عراك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنكر ذلك، فبين أن الحديث لـ عراك عن عروة ولم يرفعه ولا يجاوز به عائشة، وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عراك بن مالك مع صحة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهرتها بخلاف ذلك، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب المراسيل عن الأثرم: سمعت أبا عبد الله وذكر حديث خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فقال: مرسل، فقلت له: عراك بن مالك قال: سمعت عائشة فأنكره، وقال عراك بن مالك: من أين سمع عائشة؟ ما له ولـ عائشة؟ إنما يروونه عن عروة هذا خطأ، قال لي: من روى هذا؟ قلت: محمد بن سلمة عن خالد الحذاء قال: رواه غير واحد عن خالد الحذاء، وليس فيه سمعت، وقال غير واحد أيضاً عن حماد بن سلمة: ليس فيه سمعت.
وهذا الحديث تفرد به محمد بن إسحاق، فيكون شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة والشاذ ضعيف، ولو صح قد يكون محتملاً ونقول: قوله: (رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) محتمل أن يكون يستقبلها في البنيان، ثم أيضاً هو حكاية فعل فلا يعارض به الأقوال الصريحة، وعلى كل حال هذا محتمل مجمل مشتبه، والقاعدة عند أهل العلم: أن المجمل لا يعارض به المحكم الواضح، وإنما يرد إلى المحكم ويفسر به، ولا يتعلق بالمشتبه والمجمل إلا الضعفاء من أهل البصيرة، والمقصود أن العمدة على الأحاديث الصحيحة: النهي عن استقبال القبلة، أما هذا فقد تفرد به محمد بن إسحاق، ولو صح فهو محتمل أن يكون في البنيان أو في الصحراء، ثم أيضاً هو حكاية فعل.