ويتحصّل من كلّ ما مضى أنّ السنّة وحي مصدره ربّ العالمين الذي لا ينسى ولا يسهو ولا يخطئ ولا يعكّر صفو هذه الحقيقة وجود أحاديث مختلفة ومشكلة وناسخة ومنسوخة.
هل وحي القرآن هو نفسه وحي السنّة؟
وإذا ثبت لدينا أنّ السنّة في مجملها وحي - اللهم إلا بعض الاجتهادات في قضايا معيشيّة لا صلة لها بالحلال والحرام ولا بالقضايا الغيبيّة التوقيفيّة، كتأبير النخل ونحوه - حقّ لنا أن نتساءل: هل وحي القرآن هو نفسه وحي السنّة؟
لقد انعقد الإجماع على أنّ وحي القرآن نزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه، في اليقظة، بواسطة جبريل عليه السلام، وأنه لم ينزل عليه منه شيء في النوم ولا بطريق من طرق الوحي الأخرى، وليس ذلك لأنّ طرق الوحي الأخرى يعتريها اللبس أو يلحقها الشكّ، لأنّ الوحي بجميع أنواعه يصحبه علم يقينيّ ضروريّ بأنّه من الله سبحانه [1] .
أمّا وحي السنّة سواء كان حديثا نبويّا أو حديثا قدسيّا فقد يكون بوحي جليّ أي يأتي به جبريل في حال اليقظة، كما يكون بوحي خفيّ أي بالإيحاء، والإلهام، والبثّ في الروع، والرؤيا الصادقة في المنام، وإذا كان معنى الحديث وحيا من الله فإنّ لفظه من صياغة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم. [1] انظر الحديث والمحدّثون 14.