إلا أنّ الملاحدة والدهريين قديماً وحديثاً ينكرون النبوّة ويكفرون بالوحي {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:24] .
كما أنّ الفلسفة الوضعية الحديثة في القرن التاسع عشر التي يتزعّمها الفيلسوف الفرنسي أوقيست كونت Auguste Comte [1798-1857م] ترى "أنّ البحث عن العلل الأولى أو الغائيّة بحث لا معنى له ولا طائل من ورائه" [1] ذلك أنّ هذا المذهب يعد "المعرفة الصحيحة هي المعرفة المبنيّة على الواقع والتجربة، وأنّ العلوم التجريبيّة هي التي تحقّق المثل الأعلى لليقين"، والوضعيّة لا تعترف بإله متعالٍ فردٍ صمدٍ متفرّد بالعظمة والجلال وإنّما تعد الديانة هي ديانة الإنسانية [2] والإله هو الإنسان.
وهؤلاء الماديّون القدامى والمحدثون يمثّلون الضلال ويصدرون عن الظن الذي لا يغني عن الحقّ شيئاً، ذلك أنّ طرق المعرفة ووسائلها ممثّلة في العقل والحسّ والتجربة والأخبار الصحيحة المتناقلة عن الآباء والأجداد لا يمكنها بحال الوصول إلى الحقيقة المطلقة، فأين لهذا الحسّ والعقل والتجربة والأخبار التي لا يكون مصدرها الوحي، الوصول إلى معرفة عالم الغيب؟ بل أنّى لهذه الوسائل مجتمعة أن تتوصّل إلى معرفة وظيفة الإنسان الحقيقية في الحياة؟ وما ينتظره بعد الممات؟! [1] معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية 488 - جلال الدين سعد - دار الجنوب للنشر- 1998 - تونس. [2] المصدر السابق 477.