فأنت ترى أن أبا حنيفة لَمْ يَرُدَّ الحديث، ولكنه فهم من التفرق، تفرق الأقوال لا الأجسام، مُرَاعَاةً للمقصود من العقود، وللحكمة من هذه الرخصة تشمل كثيرين، كالمسافرين في سفينة واحدة أو في سفر واحد، أو الموجودين في سجن واحد، فهؤلاء قد يظلون معاً أياماً وشهوراً، فهل نقول: إنهما ما داما مجتمعين في مكان واحد فالبيع لم يتم، ولكل واحد منهما الخيار في فسخه متى شاء؟ وحمل التفرق الوارد على الأقوال جائز ووارد في القرآن وَالسُنَّةُِ، مثل قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [2] ومثل قوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - «افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ ... » إلخ. فالذي لا يلاحظ دقة نظر الإمام في هذا الاستنباط
(1) " حُجَّةُ اللهِ البَالِغَةُ ": 1/ 331 و" محاسن المساعي في سيرة الأوزاعي ": ص 67، و" فتح القدير " لابن الهُمام: 1/ 219، و" عقود الجواهر المنيفة ": 1/ 61. [2] [سورة آل عمران، الآية: 103].
نام کتاب : السنة ومكانتها للسباعي - ط الوراق نویسنده : السباعي، مصطفى جلد : 1 صفحه : 462