نام کتاب : السنة ومكانتها للسباعي - ط الوراق نویسنده : السباعي، مصطفى جلد : 1 صفحه : 242
الحادثة ما يَدُلُّكَ على مبلغ أمانة الزُّهْرِي، وعلى أَنَّ الصلة بينه وبين الخلفاء كانت أدنى وأضعف من أن تصل إلى دينه وأمانته؟ رجل يقول لخليفة المُسْلِمِينَ: لا أبا لك!. وهي كلمة لا يقولها رجل عادي لآخر مثله يحترمه، دليل على أن صلته بالخليفة ليست صلة ضعيف بقوي، ولا مخدوع بخادع، بل صلة واثق بدينه، معتز بعلمه يغضب إِنْ كُذِبَ، وَيَثُورُ إِذَا حُرِّفَتْ حقيقة من حقائق التاريخ المتصل بصحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورجل يَزْأَرُ في وجه الخليفة زئير الآساد لأنه كَذَّبَهُ في تفسير آية من كتاب الله خلاف ما يعلم أهل العلم من قبله، هل من المعقول أن يستخذي لأهواء الخليفة، فيضع له أحاديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا أصل لها! ألاَ ترى إلى قول الزُّهْرِي: «أَنَا أَكْذِبُ؟ لاَ أَبًا لَكَ! فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ» إِنَّ الزُّهْرِي كان من ذلك الطراز الممتاز في تاريخ الإنسانية الذين رَبَّاهُمْ مُحَمَّدٌ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخرجهم للدنيا آيات باهرات في صدق اللهجة، وسمو النفس، والترفع عن الكذب حتى ولو كان مباحاً.
ثم ماذا يبتغي الزُّهْرِي من مسايرته لأهواء الأُمَوِيِّينَ؟ أهو يبتغي المال؟ لقد اعترف معنا هذا المستشرق بأن الزُّهْرِي لم يكن من طراز أولئك الرجال الذين يستعبدهم المال، حيث نقل لنا عن عمرو بن دينار قوله في الزُّهْرِي: «مَا رَأَيْتُ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ عِنْدَ أَحَدٍ أَهْوَنَ مِنْهُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، كَأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ البَعْرِ» أم هو يبتغي الجاه؟ إن المستشرق يعترف معنا بأن الزُّهْرِي كان ذائع الصيت عند الأُمَّةِ الإسلامية، فأي جاه يطلب بعد هذا؟ وإذا لم يكن الزُّهْرِي طالب جاه ولا طالب مال، وهو في دينه وجرأته، كما رأيت، فهل يبلغ به الحمق والغباوة أن يبيع دينه للأمويين، ويخسر سمعته بين المُسْلِمِينَ وهو لا يطمع في جاه ولا مال ولا منصب؟.
ثم إن المستشرق يُصَوِّرُ لنا عصر بني أمية عصر ظُلْمٍ وَجَوْرٍ، وأن الأتقياء من علماء المدينة كانوا يحاربونهم وَيُزَوِّرُونَ عنهم، ونحن نعلم أن الزُّهْرِي نشأ بالمدينة وأخذ عن شيوخها، جلس إلى سعيد بن المسيب حتى
نام کتاب : السنة ومكانتها للسباعي - ط الوراق نویسنده : السباعي، مصطفى جلد : 1 صفحه : 242