ولقد بلغ الزُّهْرِيُّ في الحفظ أنْ أراد هشام بن عبد الملك أنْ يمتحنه بنفسه، فسأله أنْ يُمْلِي على بعض ولده، فدعا بكاتب فأملى عليه أربعمائة حديث، ثم إنَّ هشاماً قال له بعد شهر أو نحوه: «يَا أَبَا بَكْرٍ إنَّ ذَلِكَ الكِتَابَ ضَاعَ»، فدعا بكاتب فأملاها عليه، ثم قابله هشام بالكتاب الأول فما غادر حرفاً.
ومما يطرف ذكره هنا ما يَرْوُونَهُ عن الزُّهْرِي، أنه كان يشرب العسل كثيراً ويقول: «إِنَّهُ يُذَكِّرُ»، ويكره أكل التفاح الحامض والخل ويقول: «إِنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يُنْسِي»، وَيَرْوُونَ عنه أنه قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْفَظَ الحَدِيثَ، فَلْيَأْكُلِ الزَّبِيبَ ... »
اِشْتِهَارُهُ بِالعِلْمِ وَإِقْبَالُ النَّاسِ عَلَيْهِ:
لم يكن غريباً بعد أنْ عانى الزُّهْرِي في صباه ما عانى من السَهَرِ والسفر وخدمته لشيوخه، وبعد أنْ عرف الناس قوة حفظه، وَشِدَّةَ إتقانه وأمانته وصدقه في العلم أنْ ينتشر صِيتُهُ في الآفاق، وَيُقْبِلَ عليه الناس من كل فَجٍّ يكتبون حديثه.