المعلول يشمل كل مردود).
وقال ابن حجر _ أيضاً _: (وقد أفرط بعض المتأخرين فجعل الانقطاع قيداً في تعريف المعلول، فقرأت في المقنع للشيخ سراج الدين ابن الملقن قال: ذكر ابن حبيش في كتاب علوم الحديث أن المعلول: أن يروي عمن لم يجتمع به كمن تتقدم وفاته عن ميلاد من يروي عنه، أو تختلف جهتهما كأن يروي الخراساني مثلاً عن المغربي ولا يُنقل أن أحدهما رحل عن بلده. قلت (أي ابن حجر): وهو تعريف ظاهر الفساد، لأن هذا لا خفاء فيه، وهو بتعريف مدرك السقوط في الإسناد أولى).
وكل من جاء بعد ابن الصلاح _ ممن عرف الحديث المعلول _ هو على ما قاله ابن الصلاح، وعندهم أن الحديث المعلول يُشترط فيه شرطين:
الأول: أن تكون العلة في الحديث خفية غامضة.
الثاني: أن تكون العلة قادحة في صحة الحديث.
ولذا قال الإمام الذهبي في الموقظة: (فإن كانت العلة غير مؤثرة، بأن يرويه الثبت على وجه، ويخالفه واه، فليس بمعلول. وقد ساق الدارقطني كثيراً من هذا النمط في كتاب العلل فلم يصب، لأن الحكم للثبت).
وقال ابن حجر معقباً على تعريف ابن الصلاح للحديث المعلول: (وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود).
قلت: ولاشك في خطأ قصر تعريف الحديث المعلول على ما ذكره ابن الصلاح، لأنني وجدت الأئمة المتقدمين قد أطلقوا العلة بمعنى أعم مما سبق _كما سيأتي _، وقد اقرّ بهذا ابن الصلاح كما سنورد كلامه بعد قليل. وإنما أراد الحاكم في تعريفه للحديث المعلول بيان أدق صوره وأغمض أنواعه _ وعلى هذا المعنى وردت عبارات للأئمة ذكروا فيها صعوبة هذا العلم وغموضه ودقته _ ولذلك أورد الحاكم بعد تعريفه السابق قول عبد الرحمن بن مهدي: (لئن أعرف علة حديث عندي أحب إلي من أكتب عشرين حديثاً ليس عندي)] [1]. [1] - وقال د. هشام بعد أن ذكر تعريفي الحاكم، وابن الصلاح للعلة وتعقبهما بما سبق نقله عنه: [وأما الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي (ت 804هـ) فقد عرف العلة بقوله: العلة عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت على الحديث فأثرت فيه، أي قدحت في صحته. ويلاحظ على هذا التعريف: تكرار الألفاظ فيه، وقوله: طرأت يشعر بأن الحديث كان في أصله صحيحا، وليس ذلك بلازم؛ إذ قد تدخل العلة على الحديث الصحيح، وقد يكون الحديث من أصله معلولا، كأن يظهر بعد البحث أن الحديث لا أصل له، وإنما أدخل على الثقة فرواه.
وقد نقل برهان الدين البقاعي (ت 855هـ) في نكتة على ألفية العراقي كلاما آخر للعراقي جاء فيه: والمعلل خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح.
وأما الحافظ ابن حجر (ت 852هـ) فقد ذكر في تعريف المعلل أثناء كلامه على أنواع الضعيف فقال: ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق فهو المعلل. ولا يصلح هذا لأن يكون حدا للعلة إذ هو بيان لطرق الكشف عن العلة.
وما نختاره من هذه التعاريف هو ما نقله البقاعي عن العراقي: والمعلل خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح. وهو تعريف جامع مانع. وفيما يلي بيان لعناصر هذا التعريف يوضح أسباب اختياره:
(أ) في قوله: خبر، ذكر لعلة السند، وعلة المتن؛ لأن الخبر يشمل السند والمتن.
(ب) وفي قوله: ظاهرة السلامة، بيان أن العلة تكون في الحديث الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من ... حيث الظاهر.
(ج) قوله: اطلع فيه بعد التفتيش، دليل على خفاء القادح، وعلى إمعان النظر، ولا يكون ذلك إلا من الناقد الفهم العارف.
(د) وقوله: على قادح، تعميم لأسباب العلل لتشمل: العلل التي مدارها الحرج، وتلك الناشئة عن أوهام الثقات، وما يلتبس عليهم ضبطه من الأخبار؛ وبذلك يكون هذا التعريف مطابقا لواقع كتب العلل التي اشتملت على أحاديث كثيرة أعلت بجرح راو من رواتها].