الصحيح، واستدل ابن الصلاح لما جزم به بقوله: لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه ولا تعديله بخلاف الشهادات انتهى.
قلت وفي المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا يقبل في التزكية إلا رجلان في رواية وشهادة حكاه القاضي أبو بكر والباقلاني عن
أكثر الفقهاء من أهل المدينة، وغيرهم.
الثاني: أنه يكفي واحد فيهما، وهو اختيار القاضي أبي بكر فإنه قال: والذي يوجب القياس وجوب
قبول تزكية كل عدل مرضى ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا لشاهد ومخبر.
الثالث: التفصيل فيكفي في الرواية تزكية العدل، ولا بد من اثنين في الشهادة ورجحه الإمام فخر الدين والسيف الآمدي.
وأقربها به أوسطها لأن التزكية من باب الأخبار ولا يشترط العدد في قبول رواية العدل [1].] اهـ [1] - فائدة: بيان الفرق بين الرواية والشهادة، وسوف أنقل هنا ما قاله السيوطي دون تعليق، واكتفي بالإشارة المجملة، لثبوت الخلاف في بعض تلك الفروق، وأن اختيار السيوطي قد يكون لقول مرجوح في بعض المسائل، وبعضها قد سبق مناقشته، وعرض الأقوال فيه، وبعضها سيأتي - بمشيئة الله -، وإنما أذكر كلامه هنا لمناسبته وأهميته، والله الموفق.
قال السيوطي في تدريب الراوي (1/ 331: 334): [فائدة: من الأمور المهمة تحرير الفرق بين الرواية والشهادة، وقد خاض فيه المتأخرون وغاية ما فرقوا به: الاختلاف في بعض الأحكام؛ كاشتراط العدد وغيره، وذلك لا يوجب تخالفا في الحقيقة، قال القرافي: أقمت مدة أطلب الفرق بينهما حتى ظفرت به في كلام المازري، فقال: الرواية هي الإخبار عن عام لا ترافع فيه إلى الحكام، وخلافه الشهادة.
وأما الأحكام التي يفترقان فيها فكثيرة لم أر من تعرض لجمعها وأنا أذكر منها ما تيسر:
الأول: العدد لا يشترط في الرواية بخلاف الشهادة، وقد ذكر ابن عبد السلام في مناسبة ذلك أمورا: أحدها: أن الغالب من المسلمين مهابة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف شهادة الزور. الثاني: أنه قد ينفرد بالحديث راو واحد فلو لم يقبل لفات على أهل الإسلام تلك المصلحة، بخلاف فوت حق واحد على شخص واحد. الثالث: أن بين كثير من المسلمين عداوات تحملهم على شهادة الزور، بخلاف الرواية عنه - صلى الله عليه وسلم-.
الثاني: لا تشترط الذكورية فيها مطلقا، بخلاف الشهادة في بعض المواضع.
الثالث: لا تشترط الحرية فيها، بخلاف الشهادة مطلقا.
الرابع: لا يشترط فيها البلوغ في قول.
الخامس: تقبل شهادة المبتدع إلا الخطابية، ولو كان داعية، ولا تقبل رواية الداعية ولا غيره إن روى موافقه.
السادس: تقبل شهادة التائب من الكذب دون روايته.
السابع: من كذب في حديث واحد رد جميع حديثه السابق، بخلاف من تبين شهادته للزور في مرة لا ينقض ما شهد به قبل ذلك.
الثامن: لا تقبل شهادة من جرت شهادته إلى نفسه نفعا، أو دفعت عنه ضررا، وتقبل ممن روى ذلك.
التاسع: لا تقبل الشهادة لأصل وفرع، ورقيق بخلاف الرواية.
العاشر والحادي عشر والثاني عشر: الشهادة إنما تصح بدعوى سابقة وطلب لها وعند حاكم، بخلاف الرواية في الكل.
الثالث عشر: للعالم الحكم بعلمه في التعديل والتجريح قطعا مطلقا، بخلاف الشهادة فإن فيها ثلاثة أقوال أصحها: التفصيل بين حدود الله تعالى وغيرها.
الرابع عشر: يثبت الجرح والتعديل في الرواية بواحد دون الشهادة على الأصح.
الخامس عشر: الأصح في الرواية قبول الجرح والتعديل غير مفسر من العالم، ولا يقبل الجرح في الشهادة إلا مفسرا.
السادس عشر: يجوز أخذ الأجرة على الرواية بخلاف أداء الشهادة، إلا إذا احتاج إلى مركوب.
السابع عشر: الحكم بالشهادة تعديل، قال الغزالي: بل أقوى منه بالقول بخلاف عمل العالم أو فتياه بموافقة المروي على الأصح لاحتمال أن يكون ذلك الدليل آخر.
الثامن عشر: لا تقبل الشهادة على الشهادة، إلا عند تعسر الأصل بموت، أو غيبة، أو نحوها، بخلاف الرواية.
التاسع عشر: إذا روى شيئا ثم رجع عنه سقط، ولا يعمل به، بخلاف الرجوع عن الشهادة بعد الحكم.
العشرون: إذا شهدا بموجب قتل، ثم رجعا وقالا: تعمدنا، لزمهما القصاص، ولو أشكلت حادثة على حاكم فتوقف فروى شخص خبرا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها وقتل الحاكم به رجلا ثم رجع الرواي وقال: كذبت وتعمدت، ففي فتاوى البغوي: ينبغي أن يجب القصاص كالشاهد إذا رجع، قال الرافعي: والذي ذكره القفال في الفتاوى: والإمام أنه لا قصاص بخلاف الشهادة فإنها تتعلق بالحادثة والخبر لا يختص بها.
الحادي والعشرون: إذا شهد دون أربعة بالزنا حدوا للقذف في الأظهر، ولا تقبل شهادتهم قبل التوبة، وفي قبول روايتهم وجهان: المشهور منهما: القبول، ذكره الماوردي في الحاوي، ونقله عنه ابن الرفعة في الكفاية، والأسنوي في الألغاز].