وقد استدل العماد بن كثير [2] للعمل بالوجادة بقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الصحيح: «أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إِلَيْكُمْ إِيمَانًا؟ قَالُوا: الْمَلاَئِكَةُ قَالَ: «وَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ»؟ وَذَكَرُوا الأَنْبِيَاءَ فَقَالَ: «وَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ؟ قَالُوا: فَنَحْنُ؟ قَالَ: «وَكَيْفَ لاَ تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟». قَالُوا: فَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: قَوْمٌ يَأْتُونَ بَعْدَكُمْ يَجِدُونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِهَا» [3]. فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة. وقد استحسن البُلْقِينِي هذا الاستنباط [4]. ولم يكن الأمر محوجًا إلى هذا كله، فوجوب العمل بالوجادة لا يتوقف عليه، لأن مناط وجوبه إنما هو البلاغ، وثقه المكلف بأن ما وصل إليه علمه صحت نسبته إلى رسول اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [5].
والحق أن تشدد السلف في بعض صور تحمل الحديث وأدائه، كالوجادة والوصية والإعلام، كان له ما يُسَوِّغُهُ في حياتهم وظروفهم، فقد كان الحديث شغلهم الشاغل، وكانوا أشد منا حاجة إلى حفظه وروايته، لضعف وسائل التدوين والكتابة لديهم، ونحن نجد لزامًا علينا أن ننشط في حفظ الحديث
(1) " علوم الحديث " لابن الصلاح: ص 169. [2] هو الإمام المحدث المفسر، عماد الدين أبو الفداء، إسماعيل بن الشيخ أبي حفص شهاب الدين عمر، صاحب التصانيف الكثيرة. تُوُفِّيَ سَنَةَ 774 هـ.
(3) " توضيح الأفكار ": 2/ 349 وقارن بـ " تفسير ابن كثير ": 1/ 74، 75، طبعة المنار.
(4) " التدريب ": ص 149. وَالبُلْقِينِي هو عبد الرحمن بن عمر بن رسلان، أبو الفضل جلال الدين. برع في الفقه والأصول والعربية والتفسير. من كتبه " الإفهام لما في صحيح البخاري من الإيهام ". تُوُفِّيَ سَنَةَ 824 هـ (" شذرات الذهب ": 7/ 166).
(5) " الباعث الحثيث ": ص 144.
نام کتاب : علوم الحديث ومصطلحه نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 103