مَنْهَجٌ تَكَامُلِيٌّ:
وهو كذلك منهج (تَكَامُلِيٌّ) يتكامل فيه الإيمان مع المعرفة، أو الوحي مع العقل، ليكون منهما {نُورٌ عَلَى نُورٍ} كما قال الله تعالى في سورة النور، الآية: 35.
ويتكامل فيه التشريع مع التربية، فللتربية دورها في التكوين والتأسيس والتوجيه، وللتشريع دوره في الصيانة والإلزام والتأديب والعقاب، فلا تغني التربية وحدها بلا تشريع، ولا يغني التشريع وحده بغير تربية. وكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو القائم على التربية والتشريع مَعًا.
وتتكامل فيه القوة مع الحق، أو السلطان مع القرآن، أو الدولة مع الدعوة، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ومن لم يردعه الحق ردعته القوة، ومن جار على الدعوة أدبته الدولة، ولكل وضع مجاله لا يجوز أن يتعداه بالباطل. وكان الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - هو صاحب القرآن والسلطان جميعًا، أو صاحب الدعوة والدولة مَعًا، هو الذي يؤم الناس في الصلاة، وهو الذي يقودهم في المعارك، وهو الذي يحكم بينهم في الخصومة، وهو الذي يقودهم في السياسة، في السلم والحرب لم يكن كما كان بنو إسرائيل في بعض مراحلهم يوجههم نبي يقود الدعوة، ويسوسهم ملك يقود الدولة. كما حكى القرآن أن نبيهم قال لهم: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} [البقرة: 247].
ولم يرد عن النبي محمد ما ورد عن المسيح من قسمة الحياة بين الله وقيصر، فلله الدين، ولقيصر الدولة، بل علمه الله أن يقول: {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162، 163].
وهكذا كان يسوس الأمة ويوجه حياتها كلها بالكتاب والميزان، فمن تمرد عليهما أَدَّبَهُ الحديد ذو البأس الشديد كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ [1] رواه مسلم عن أبي هريرة.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 28