والحديث يدل على مدى تواضعه وأدبه ورقته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو مع أَمَةٍ مِنَ الإِمَاءِ , فهي تمسك بيده , وتمر به في طرقات المدينة , ليقضي لها بعض الحاجات وهو - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - من فرط حيائه وعظيم خلقه , لا يريد أن يزعجها أو يجرح شعورها بنزع يده من يدها , بل يظل سائرًا معها على هذا الوضع حتى تفرغ من قضاء حاجتها.
وما ذكره الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - مُسَلَّمٌ في جملته , ولكن صرفه معنى الأخذ باليد عن ظاهره إلى لازمه , وهو الرفق والانقياد غير مسلم , لأن الظاهر واللازم مرادان مَعًا. والأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره , إلا أن يوجد دليل أو قرينة معينة تصرفه عن هذا الظاهر. ولا أرى هنا ما يمنع ذلك، بل إن رواية الإمام أحمد ـ وفيها «فَلاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ» ـ لتدل بوضوح على أن الظاهر هو المراد , وأن من التكلف والاعتساف الخروج عنه.
إن إغلاق باب المجاز في فهم الأحاديث , والوقوف عند المعنى الأصلي الحرفي
(119) " فتح الباري ": ج 13 (*).
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر: " فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، لابن حجر العسقلاني: 10/ 490، طبعة سنة 1379 هـ، نشر دار المعرفة. بيروت - لبنان.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 164