وكل هذه التأويلات فرار من حمل الكلام على حقيقته اللغوية المخالفة لصريح العقل , كما قال ابن العربي.
وهذا أولى من إنكار الحديث ودفعه , وقد ثبت من جملة طرق صحاح عند عدد من الصحابة , فمن المجازفة رده , مع إمكان التأويل.
على أن الحافظ نقل في " الفتح " عن قائل لم يعينه , قَالَ: «لاَ مَانِعَ أَنْ يُنْشِىءَ اللَّهُ مِنَ [الأَعْرَاضِ أَجْسَادًا] يَجْعَلُهَا مَادَّةً لَهَا كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " فِي حَدِيثِ " إِنَّ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ يَجِيئَانِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ» [116].
وإلى هذا نزع العلامة الشيخ أحمد شاكر في تخريجه لـ " المسند " , فبعد أن نقل عن " الفتح " استشكال ابن العربي للحديث , ومحاولته تأويله قال: «وكل تكلف وتهجم على الغيب الذي استأثر الله بعلمه وليس لنا إلا أن نؤمن بما ورد كما ورد , ولا ننكر ولا نتأول. والحديث صحيح , ثبت معناه أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري , من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وابن حبان. وعالم الغيب الذي وراء المادة لا تدركه العقول المقيدة بالأجسام في هذه الأرض , بل إن العقول عجزت عن إدراك حقائق المادة التي في متناول إدراكها , فما بالها تسمو إلى الحكم على ما خرج من نطاق قدرتها ومن سلطانها؟! وها نحن أولاء في عصرنا ندرك تحويل المادة إلى قوة وقد ندرك تحويل القوة إلى مادة , بالصناعة والعمل , من غير معرفة بحقيقة هذه المادة ولا تلك , وما ندري ماذا يكون من بعد , إلا أن العقل الإنساني عاجز وقاصر , وما المادة والقوة والعرض والجوهر , إلا اصطلاحات لتقريب الحقائق , فخير للإنسان أن يؤمن وأن يعمل صالحًا , ثم يدع ما في الغيب لعالم [116] انظر في هذه الأقوال: " فتح الباري ": جـ 11/ 421، ط. دار الفكر.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 161