ومن هنا جاءت نصوص الكتاب والسنة التي تنظم شؤون المعاملات من بيع وشراء وشركة ورهن وإجارة وقرض , وغيرها , وأن أطول آية في كتاب الله , نزلت في تنظيم كتابة «الديون»: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ... } [البقرة: 282].
والحديث «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» يفسره سبب وروده , وهو قصة تأبير النخل , وإشارته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم برأي ظني يتعلق بالتأبير , وهو ليس من الزراعة , وقد نشأ بواد غير ذي زرع , فظنه الأنصار وَحْيًا , أَوْ أَمْرًا دِينِيًّا , فتركوا التأبير , فكان تأثيره سَيِّئًا على الثمرة , فقال: «إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلاَ تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ» ... إلى أن قال: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» .. فهذه هي قصة الحديث.
فقد يفهم منه البعض تحريم الإقامة في بلاد غير المسلمين بصفة عامة , ومع تعدد الحاجة إلى ذلك في عصرنا , للتعلم , والتداوي , والعمل , وللتجارة , وللسفارة , ولغير ذلك , وخصوصًا بعد أن تقارب العالم حتى غدا كأنه (قرية كبرى) كما قال أحد الأدباء!
فالحديث ـ كما ذكر العلامة رشيد رضا ـ ورد في وجوب الهجرة من أرض المشركين إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنصرته , رواه أهل السنن ـ أما أبو داود فرواه من حديث جَرِير بن عبد الله وذكر أن جماعة لم يذكروا جَرِيرًا أَيْ رَوَوْهُ مُرْسَلاً , وهو الذي اقتصر عليه النسائي , وأخرجه الترمذي مُرْسَلاً , وقال: هذا أصح , ونقل عن [70] رواه أبو داود في الجهاد، حديث (1645)، ورواه الترمذي في السير (1604).
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 127