أحدهما: تدليس الإِسناد: وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، موهمًا أنه سمعه [1] على هامش (غ) بخط ابن الفاسي، في ورقة ملصقة:
[قال القاضي عياض - رحمه الله -: التدليس لقب وضعه أئمة هذه الصنعة على من أبهم بعض رواياته لمعان مختلفة وأغراض متباينة. وقد كان هذا من عصر التابعين. إلى هلم جُرًّا، وذكر ذلك عن جماعة من جلة الأئمة، ولم يضر ذلك حديثهم؛ لصحة أغراضهم وسلامتها، وأضر ذلك بغيرهم.
وهو على أمثلة: فمنه أن سفيان بن عيينة على جلالته، من كبار أصحاب الزهري، وسمع منه كثيرًا وأخذ عن أصحابه كثيرًا مما لم يسمعه من الزهري، فربما حدث فقال: قال الزهري، أو قال: قال الزهري عن فلان. وقد عرف بالتدليس فسئل؛ فمرة يقول: سمعته منه، ومرة يقول: حدثني به عنه فلان، أو فلان عن فلان، عنه.
ومن لا يدلس مثل مالك وشعبة لا يقول مثل هذا، بل يبين مَن حدث عنه، أو يقول: بلغني. قال شعبة: " لأن أزني أحب أليَّ من أن أدلس ". ولكن أمثال اولئك الجلة ممن استعمل التدليس إذا سئلوا أحالوا على الثقات؛ فحُمِلَ حديثهم وقام تدليسهم مقام المرسل. وحجة بعضهم أن يكونوا قد سمعوه من جماعة من الثقات عن هذا الرجل، فاستغنوا بذكره عن ذكر أحدهم أو ذكر جميعهم؛ لتحققهم صحة الحديث عنه، كما يفعل في المراسيل.
ومنهم من أراد أن ينزل حديثه وأن يعلو بذكر الشيخ دون من دونه؛ لصحة روايته عنه غير هذا، ولحقيقة أن الثقات حدثت عنه بذلك.
وطبقة أخرى جاءوا إلى رجال مشاهير ثقات أئمة سمعوا حديثهم، وجرت بينهم مباعدة حملتهم على اتهامهم وألا يصرحوا بأسمائهم المشهورة. ولم تحملهم ديانتهم على ترك التحدث عنهم، كما صنع " البخاري " في حديثه عن محمد بن يحيى الذهلي، لما جرى بينه وبينه، فمرة نجده يقول: ثنا محمد؛ لا يزيد، وثانية يقول: ثنا محمد بن خالد؛ ينسبه إلى جده الأعلى، ومرة يقول: ثنا محمد بن عبدالله، ينسبه إلى جده الأدنى. وطبقة أخرى رووا الحديث عن ضعيف أو مجهول، عن الشيخ، فسكتوا عنه واقتصروا على ذكر الشيخ إذ عرف سماعهم منه لغير هذا الحديث.
وطبقة أخرى رووا عن ضعفاء لهم أسماء أو كنى مشهورة عرفوا بها، فلو صرحوا بأسمائهم المشهورة أو كناهم لم يشتغل بحديثهم، فأتوا بالاسم الخامل مكان الكنية المشهورة، أو بالكنية المجهولة عوض الاسم المعلوم؛ ليبهموا الأمر ولئلا يعرف ذلك الراوي وضعفه فيُزهَدَ في حديثهم. =
نام کتاب : مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح نویسنده : البلقيني، سراج الدين جلد : 1 صفحه : 230