(بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) ليجعلها سنة لأمته في افتتاح الذبائح والطعام والشراب والكلام، وأن يذكروه عتد كل حركة وسكون وإذا قاله العبد يسر الله تعالى له ما بين يديه من السماء إلى الأرض وثبَّته وحرسه من وسواس الشيطان واعتراض المعترضين وفساد المفسدين وكيد الحاسدين، وهو تحية من الله عز وجل خصَّ بها نبيه وجعله باللسان العربي، ما لم يكن لسائر الأمم إلا ما كان من سليمان، فلما وردت على العرب اضطروا إلى قبولها وتدوينها والإقرار بفضلها ولفظوا بها عند وجوب الشكر وطلب الصبر. قال غير الخليل هو أدب من آداب الدين: مدح لله تعالى وتعظيم، وشعار للمسلمين، وتبرك للمستأنف، وإقرار بالإلاهية، واعتراف بالنعمة. واستعانة بالله عز وجل، وعبادة له مع ما فيه من حسن العبارة ووضوح الدلالة والإفصاح والبيان لما يستحقه الله من الأوصاف، وفيه من البلاغة والاختصار في موضعه بالحذف على شرائطه إذ موضوع هذه الكلمة على كثرة التكرير وطول الترديد، وفيه الاستغناء بالحال الدالة على العبادة عن ذكر أبداً؛ لأنّ الحال بمنزلة الناطقة بذلك، وفيه من البلاغة تقديم الوصف بالرحمن تشبيهاً بالأسماء الأعلام.
* * *
مسألة:
ومما يسأل عنه من الإعراب أن يقال ما موضع الباء من (بسم الله)؟
والجواب: أنَّ العُلماء اختلفوا في ذلك، فذهب عامة البصريين إلى أنَّ موضع الباء رفعَ على تقدير مبتدأ محذوف تمثيله: ابتدائي بسم الله، فالباء على هذا متعلقة بالخبر المحذوف الذي قامت مقامه تقديره: ابتداني كائن أو ثابت أو ما أشبه ذلك باسم الله، ثم حذفت هذا الخبر وكان فيه ضمير فأفضى إلى موضع الباء وهذا بمنزلة قولك: زيد في الدار، ولا يجوز أن يتعلق الباء بابتداني المضمر؛ لأنّه مصدر، وإذا تعلقت به صار من صلته، وبقي المبتدأ بلا خبر. وذهب عامة الكوفيين وبعض البصريين إلى أنَّ موضع الباء نصب على إضمار فعل، واختلفوا في تقديره.