قيل: في السماء جبال بَرَد مخلوقة، وقيل: بل المعنى قدر جبال يجعل منها برداً.
واختلف النحويون في (مِنْ) الثانية والثالثة:
فجعل بعضهم الثانية زائدة. فعلى هذا المعنى يكون التقدير: ينزل من السماء جبالًا فيها من برد، و (من) في قوله (مِنْ بَرَدٍ)؛ لبيان الجنس، كما قال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ). وقال بعضهم: الثالثة زائدة، والمعنى على هذا: وينزل من السماء من جبال فيها بردا، أي: وينزل من السماء بردا من جبالٍ فيها، فهذا يدل على أنّ في السماء جبال بردٍ. و (من) الثانية على هذا القول لابتداء الغاية. وهي مع (جبال) بدل من قوله (مِنَ السمَاء) بإعادة الجار، كما قال تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ)، وهو بدل الاشتمال، لأنّ السماء تشتمل على الجبال. كما تقول: يعجبني شعبان الصوم فيه، أي: يعجبني الصوم في شعبان.
* * *
قوله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57))
الحسبان والظن سواء، يقال: حسب يحسب بكسر السين وفتحها. يروى أنّ الفتح لغة النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ حمزة وابن عامر: (لَا يَحْسَبَنَّ) بالياء وفتح السين، فـ (الَّذِينَ كَفَرُوا) على هذا فاعلون، والمفعول الأول لـ (يَحْسَبَنَّ) محذوف، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أنفسَهم معجزين أو إياهم معجزين، وحُذِف المفعول الأول لأنّه هو الذي كان مبتدأ، وحذف المبتدأ جائز لدلالة الخبر عليه، نحو قوله تعالى: