نام کتاب : تفسير الألوسي = روح المعاني نویسنده : الآلوسي، شهاب الدين جلد : 5 صفحه : 83
أبو البقاء كونها مصدرية فَانْبَجَسَتْ أي انفجرت كما قال ابن عباس وزعم الطبرسي أن الانبجاس خروج الماء بقلة والانفجار خروجه بكثرة، والتعبير بهذا تارة وبالأخرى أخرى باعتبار أول الخروج وما انتهى إليه، والعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي فضرب فانبجست وحذف المعطوف عليه لعدم الإلباس وللإشارة إلى سرعة الامتثال حتى كأن الإيحاء وضربه أمر واحد وأن الانبجاس بأمر الله تعالى حتى كأن فعل موسى عليه السلام لا دخل فيه.
وذكر بعض المحققين أن هذه الفاء على ما قرر فصيحة وبعضهم يقدر شرطا في الكلام فإذا ضربت فقد انبجست مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً وهو غير لائق بالنظم الجليل قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ أي سبط، والتعبير عنهم بذلك للإيذان بكثرة كل واحد من الأسباط، وأناس إما جمع أو اسم جمع، وذكر السعد أن أهل اللغة يسمون اسم الجمع جمعا، وعَلِمَ بمعنى عرف الناصب مفعولا واحد أي قد عرف مَشْرَبَهُمْ أي عينهم الخاصة بهم، ووجه الجمع ظاهر وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ أي جعلنا ذلك بحيث يلقي عليهم ظله ليقيهم من حر الشمس وكان يسير بسيرهم ويسكن بإقامتهم وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى أي الترنجبين والسماني فكان الواحد منهم يأخذ ما يكفيه من ذلك كُلُوا أي قلنا أو قائلين لهم كلوا.
مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أي مستلذاته، وما موصولة كانت أو موصوفة عبارة عن المن والسلوى وَما ظَلَمُونا عطف على محذوف للايجاز والإشعار بأنه أمر محقق غني عن التصريح أي فظلموا بأن كفروا بهذه النعم الجليلة وما ظلمونا بذلك وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالكفر إذ لا يتخطاهم ضرره، وتقديم المفعول لإفادة القصر الذي يقتضيه النفي السابق، وفي الكلام من التهكم والإشارة إلى تماديهم على ما فيهم ما لا يخفى وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ معمول لا ذكر، وإيراد الفعل هنا مبنيا للمفعول جريا على سنن الكبرياء مع الإيذان بأن الفاعل غني عن التصريح أي اذكر لهم وقت قولنا لأسلافهم اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ القريبة منكم وهي بيت المقدس أو أريحا، والنصب مبني على المفعولية كسكنت الدار أو على الظرفية اتساعا والتعبير بالسكنى هنا للايذان بأن المأمور به في البقرة الدخول بقصد الإقامة أي أقيموا في هذه القرية وَكُلُوا مِنْها أي مطاعمها وثمارها أو منها نفسها على أن من تبعيضية أو ابتدائية حَيْثُ شِئْتُمْ أي من نواحيها من غير أن يزاحمكم أحد وجيء بالواو هنا وبالفاء في البقرة لأنه قيل هناك ادخلوا فحسن ذكر التعقيب معه وهنا اسكنوا والسكنى أمر ممتد والأكل معه لا بعده، وقيل: إنه إذا تفرع المسبب عن السبب اجتمعا في الوجود فيصح الإتيان بالواو والفاء، وفيه أن هذا إنما يدل على صحة العبارتين وليس السؤال عن ذلك، وذكر رَغَداً [البقرة: 35، 58] هناك لأن الأكل في أول الدخول يكون ألذ وبعد السكنى واعتباره لا يكون كذلك وقيل: إنه اكتفى بالتعبير باسكنوا عن ذكره لأن الأكل المستمر من غير مزاحم لا يكون إلا رغدا واسعا، وإلى الأول ذهب صاحب اللباب، ويرد على القولين أنه ذكر رَغَداً مع الأمر بالسكنى في قصة آدم عليه السلام، ولعل الأمر في ذلك سهل وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً مر الكلام فيه في البقرة غير أن ما فيها عكس ما هنا في التقديم والتأخير ولا ضير في ذلك لأن المأمور به هو الجمع بين الأمرين من غير اعتبار الترتيب بينهما، وقال القطب:
فائدة الاختلاف التنبيه على حسن تقديم كل من المذكورين على الآخر لأنه لما كان المقصود منهما تعظيم الله تعالى وإظهار الخشوع والخضوع لم يتفاوت الحال في التقديم والتأخير نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ جزم في جواب الأمر. وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب «تغفر» بالتاء والبناء للمفعول وخَطِيئاتِكُمْ بالرفع والجمع غير ابن عامر فإنه وحد، وقرأ أبو عمرو «خطاياكم» كما في سورة البقرة، وبين القطب فائدة الاختلاف بين ما هناك وبين ما هنا على القراءة المشهورة بأنها الإشارة إلى أن هذه الذنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة فهي مغفورة بعد الإتيان بالمأمور به، وطرح الواو هنا من قوله
نام کتاب : تفسير الألوسي = روح المعاني نویسنده : الآلوسي، شهاب الدين جلد : 5 صفحه : 83