نام کتاب : جماليات المفردة القرآنية نویسنده : أحمد ياسوف جلد : 1 صفحه : 231
ويبدو جليّا أن هذا الاحتمال لم يوفّق فيه الباحث، فهل يستشفّ القارئ في «نقعا» - فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً [1] - إلا دلالتها على الغبار الكثيف؟ ومن الواضح أن أصوات المفردة هنا في حالة اعتباطية قطعت صلتها بالمعنى، وصارت رمزا خالصا.
وقد غاب عن ذهن المبارك هنا، أن صيغة الفواصل في السورة بسكون الوسط والتنوين «ضبحا قدحا نقعا جمعا» ما يناسب مقام الغضب، ومعاني الزّجر والوعيد، فكأن الكلمات قذائف تختم بها الآيات قصيرة المدى:
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً [2].
وهذا المشهد العنيف لا يصوّره لنا الفنّ الزّمني، وربما يستعصي على الفن المكاني، والجدير بالذّكر أنّ الفاصلة لا تقف على المدّ كما هي الحال في سورة مريم، بل على قوة التنوين، ولعلّه يريد من تكرار قوّة التنوين في الفواصل تكرار وقع الحوافر.
أما كلمتا «بعثر» و «حصّل» في الآيتين: إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ [3]، فإنّ ماهية جرس الحروف لا تكفي وحدها لهذه المناسبة، بل تواكبها الحركات، وهذا ما قد لحظه الباحث، فالصيغة الصّرفية تؤدي دورا مهمّا، فكلمة «بعثر» لولا ضمّ الباء فيها التي تنطبق عندها الشّفاه للضم أيضا، وكسر الثاء اللّثوي مما يتطلّب تراخي الشّفتين وانفراجهما لولا هذا لما شممنا رائحة المعنى في أصوات المفردة، فالضّم يتبعه انفراج الشّفتين، ثم يتبع هذا الفتح على الرّاء، فهذا يمثّل في رأيه مشهد الانتشار بعد الخروج من القبور، ولكن ما أكثر الكلام الذي نجد فيه الضّم ثم انفراج الشّفتين، وعلى هذا نقول إن الصّوت والصّويت لا يوظفان في كل موضع لتصوير الحدث، وكان على الباحث أن ينتبه إلى ذلك. [1] سورة العاديات، الآية: 4. [2] سورة العاديات، الآيات: 1 - 5. الضّبح: صوت أجواف الخيل وأنفاسها. [3] سورة العاديات: الآيتان: 9 - 10.
نام کتاب : جماليات المفردة القرآنية نویسنده : أحمد ياسوف جلد : 1 صفحه : 231