عنى إليك [1] فإنى لا يوافقنى ... عور الكلام [2] ولا شرب على الكدر
وإذا كانت سمة الإنسان فى الحياة، إرادة وكرامة فوق حرية يتمتع بها، فى قوله وعمله ومسلكه، فإنها أيضا لا تكمل بمعناها الواسع إلا إذا اتصلت بالحياة بناء وعملا نافعا، ومشاركة إيجابية فى الحياة تمد يد العون لمن يحتاج، وتقدم الخير للجميع، ولا تبخل بعطاء، ولا تضن عن مشاركة، هو إنسان لم يخلق لنفسه فقط، وإنما هو سبيل سعادة الآخرين، وحياة لمن يبغى الحياة، وسلم لمن يريد الطمأنينة فى يومه وغده، وهو كما عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديثه، جليس صالح بكل ما تحمله هذه الكلمة البناءة من معانى النفع، والخير، والهداية، والأثر الطيب فى النفس وفى الآخرين: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافح الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ... ».
إنسان يعمل ويحفظ ماء وجهه من السؤال والشحاذة، ويحفظ غيره من الضياع، ويفيد الآخرين بألوان الخير والمنفعة، ويترك بصماته فى كل شىء علما، ورزقا، وخيرا، واجتهادا، وقدوة، أليس هذا هو ما يدعو إليه القرآن والرسول فى العمل الطيب، والنفقة، والبذل، والعطاء، والأجر المضاعف لصاحبه فى جميع مجالات الحياة. وقد جاء المثل العربى مصورا هذا الاتجاه فى قوله:
4 - رب زارع لنفسه حاصد سواه:
وأصل هذا المثل أن صعصعة بن معاوية ذهب إلى عامر بن الظرب، يخطب ابنته، فقال: يا صعصعة، إنك جئت تشترى منى كبدى، وأرحم ولدى عندى، النكاح خير من الأيمة، والحسيب كفء الحسيب، والزوج الصالح يعد أبا، وقد أنكحتك خشية ألا أجد مثلك.
ثم قال لقومه: يا معشر عدوان، أخرجت من بين أظهركم كريمتكم على غير رغبة عنكم، ولكن من خط له شىء جاءه، رب زارع لنفسه حاصد سواه.
فلولا قسم الحظوظ على غير الحدود ما أدرك الآخر من الأول شيئا يعيش به، ولكن [1] عنى إليك: ابتعدنى عنى. [2] عور الكلام: يقصد به القبائح والأمور التى تنكرها الطبائع السليمة الشريفة.