مشعلا على طريق الحياة، وتبصرة بالمواقف الجادة التى تنتصر على كل فكرة سابقة لا تحمل ضوءها ونورها من الله جل فى علاه، ويكفى أن الله شهيد على ذلك: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [الفتح: 28].
هذه مكرمة خص الله بها رسوله، والذى تتضح صورته، وصورة صحبه ومن آزره ونصره فى دعوته، وإعلاء كلمة الله فى المثل الذى نعرضه فى الآية.
فالله يضرب المثل بأولئك الذين خلصت نياتهم، وأخلصوا أعمالهم لوجه الله، وفى سبيل دعوته بمحمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين آزروه، ونصروه، واتبعوا النور الذى أنزل معه، فكانوا من المفلحين الذين يتراحمون فيما بينهم، ويتآخون برباط الإسلام، ويكثرون من العبادة والطاعة لله، ولا يقصدون من أدائها إلا ابتغاء وجه الله ورضوانه، قد صفت وخلصت من الغرض، وهم يهبون أنفسهم للدفاع عن الدين والعقيدة، والاستشهاد فى سبيل الله، وهم أشداء على الكفار أعداء الله.
ظهرت آثار أعمالهم الصالحة على صفحات وجوههم، وهكذا المؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله، أصلح الله ظاهره للناس.
قلة قليلة بدأت بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم قويت واستحكمت، وترقى أمرها يوما بعد يوم، فكانت كما قال صاحب الكشاف: كما يقوى الطاقة الأولى ما يحتف بها مما يتولد منها.
وظاهر المثل: أن الزرع هو محمد صلى الله عليه وسلم، والشطء: أصحابه. قيادة حكيمة اختارها الله من بين خلقه لتؤدى أمانة الوحى بالقدوة الطيبة والموعظة الحسنة، وتحمل الرسول الكريم الكثير من ألوان الإيذاء، والعنت فى سبيل تبليغ دعوة الحق، ومحاربة الباطل، وكان حريصا على هداية القوم، يتعرض لهم فى كل مكان، ويسلك لذلك كل طريق، حتى نزل قول الله سبحانه وتعالى: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة: 99].
القائد والجند تجمعهما رابطة العقيدة، وبينهما مدد مشترك يبعث فيهما القوة والنماء والروح، مدد روحى من القرآن الكريم، ومن نور الله يستمد الضوء، فيكون الزرع الذى استغلظ واستوى على سوقه، ويكون الشطء الذى آزره، وكان عونا له فى سير الحياة.
مثل للمؤازرة الحميمة، والمساندة التى لا يمكن أن تنفصم إلا بفعل الله سبحانه