والنور، وحينما يلتقون بإخوانهم شياطين الإنس، ينكصون على أعقابهم عما طلبوا فجأة، ويرجعون إلى الظلام والضلال.
صور متعددة تتابعت لتكشف خبيئة تلك النفوس التى تعيش فى جحورها، ثم تنفث سمومها، وتبث دعايتها ضد كل دعوة صالحة تختبئ وراء ما يخدع من لسان معسول، وكلمات تنم عن خداع وحقد، يجد متنفسه فى إثارة الأحقاد والكراهية فى صفوف المجتمع، وتمزيق أواصر العلاقات بين الأفراد والطوائف بالكلمة الخبيثة التى ينطق بها: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ [البقرة: 204 - 206].
وقد اهتدى صاحب تفسير المنار إلى رأى من القول قال فيه: إن هذا المثل يمثل من بقى له بصيص من النور، فله نظرات تهديه أحيانا، وتصل به إلى فهم معانى الآيات
بالفطرة، أو الاستدلال بالحوادث للنظر فيما بين يديه، ولكنه تسيطر عليه دواعى التقليد والبدع، فيعيش فى ظلمات حوالك يخبط فيها، ويسمع قوارع الإنذار، ويرى نور الهداية، فإذا أضاء ذلك البرق سار، وإذا انصرف عنه بشبه الضلال قام وتحيّر، ويعرض عن دعاة الحق، ونذر الكتاب، فهو يضع إصبعيه فى أذنه، حتى لا يسمع نصح الناصح، يخاف من تلك النوازع أن تقتله.
ولكن أهذه صورة النفس الإنسانية المقبولة؟! إنها صورة مريضة لنفس تعيش فى الحياة ولها دورها، ولا يمكن إهمال ما تقوم به من أعمال ماكرة، وإلا ضاع المجتمع وأهله، وما كانت هناك صراعات أو حروب أو دعوات صالحة لبناء المجتمع.
بجوار هذه النفس نفوس أخرى صالحة توجهت إليها الآيات والأمثال القرآنية بالنداء والأوامر، كى تنفق وتبذل المال، والجهد، والدم، فى سبيل الدعوة، وفى سبيل الحياة، وقد تعرض الباب السابق لكثير من هذه المظاهر المعطاءة التى تقدم القليل، ويكون لها الكثير من الأجر والجزاء، وتبذل العلم والمعرفة، ويكون البناء للنفس والأمة، وتعطى ما لها من جهد ودم فى سبيل المحافظة على العقيدة، والدفاع عن الدين، ويكون لها كرامة الاستشهاد، وجزاء ذلك فى وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ