صعوباتها بمخلب وناب، وتتغلب على أزماتها بحجم ومنقار، فإذا تشابه فى تلك الحواس الظاهرة التى تتمتع بها كل المخلوقات من حواس السمع، والبصر، والشم، والذوق، والجسم، فإن طريقة استخدام هذه الحواس، وحسن استغلالها فى تحقيق أهدافها، مما يميز الإنسان عن غيره.
فالعين تبصر وتؤدى وظيفتها فى رؤية الأشياء بالنسبة لكليهما، ولكن أن تكون طريقا إلى الهداية والاستدلال وتنمية العقل، فهذا مما كرم الله به الإنسان، وجعله محلا للتكليف، وكذلك الأذن تؤدى عملها فى السمع، وقد تكون الحيوانات أقوى سمعا، ولكن أن تكون طريقا إلى العلم، والمعرفة، فهذا مجال آخر جعله الله سبحانه من
خصائص الإنسان، وقد يختلف فيه إنسان عن آخر مما يدل على قدرة الله.
وهكذا فى بقية الحواس والوظائف المتشابهة، أسلحة وأدوات، ولكنها فى جانب الإنسان لها وظائف أخرى تعلو فوق الحاجة المادية إلى الجوانب الروحية والعقلية التى بها يتسامى على غيره، وتجعله مناطا للتكليف وعمارة الكون، لذلك فالتشابه الظاهرى ليس هو المقياس الحقيقى للتمييز، وإنما فيما يكمن وراءه من انطباعات، وآثار، وهدايات.
يقول الله سبحانه وتعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [الأنعام: 38].
نعم أمم لها خصائصها، وذواتها المستقلة التى تكتب التمييز لفريق على فريق فى مظاهر عديدة من حيث الشكل، والتكوين، والقوة، والخصائص، ومنها الإنسان الذى يدب على الأرض، خلقه الله فى أحسن تقويم من الخلق والخلق، والتكوين النفسى والعقلى، ليتحمل مسئولية الحياة الحقيقية، وحمله أعباء الأمانة التى عرضها عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا [الأحزاب: 72].
ظلم الإنسان نفسه، فقد حرمها من أداء مهمتها فيما خلقت من أجله، وما هيئت له من تحقيق الكرامة لها، والفوز بالسعادة الروحية، وسلامة الاعتقاد، وذلك بأعماله وسلوكه فى الحياة، ذلك السلوك والعمل الذى جانب الصواب، وكذلك ظلم غيره من الذين تحملوا أداء الرسالات والدعوات الصالحة من أنبياء ورسل، فلم يستجب لهم،