الحجر الناعم الذى يتراكم عليه تراب ناعم، ثم ينزل عليه مطر شديد أذهبه، ولم يبق منه شيئا، فالمراءون لا يستطيعون الحصول على شىء من ثمرة إنفاقهم إذا أصابهم غضبه تعالى، أو أحبط أعمالهم، كما لا يستطيع الحجر إمساك ما عليه من التراب إذا أصابه مطر.
ما المقصود من الصدقة؟
أن ينظر فيها إلى صالح الفرد، فتخفف من بؤسه، وتعالج من حاله، وترفع من معنوياته، وتقضى عنه حوائجه التى يحتاج إليها كما ينظر فيها إلى صالح المجتمع والأمة بتحقيق المصالح العامة، والمشاركة فى المشروعات الخيرية التى يعود نفعها على الجميع، بذلك يكون المتصدق قد أصاب الهدف، وحقق الغرض، أما إذا كان يبغى من وراء ذلك المراءاة للناس، وطلب السمعة الحسنة بين الآخرين، بأنه رجل محسن، وصاحب فضل، أو يلحق ما أنفق إيذاء لمشاعر الآخرين الذين قدم لهم معروفا، فمثله فى عدم انتفاعه بما عمل، بذلك الحجر الأملس إذا كان عليه شىء من تراب، ثم أصابه مطر غزير أزال عنه ما أصابه، فعاد أملس كما كان. وكذلك الذى يتبع ما أنفق بالمنّ والأذى، أو المرائى بعمله، قد وضع نفسه موضع المهانة وغش نفسه، وأظهرها على غير حقيقتها، ولا ينتفع بشيء من صدقاته، بل يجلب المقت لنفسه من الناس، والذم من المجتمع، وضياع الثواب فى الآخرة.
وهكذا يكون الجزاء والثواب، أو العقاب والحرمان، بمقدار النوايا الطيبة، والرغبات الصالحة، ولن يجنى الإنسان من عمله إلا ما عمل، والعاقل من يحذر تعريض نفسه لمواقف يجد فيها حطا لكرامته فى دنياه، أو يطأطأ الرأس أمام من يملك عليه أمره، ويحصى عليه هفواته.
3 - قال الله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 265].
فى الآيات السابقة ظهرت موبقات العمل الصالح، وعوامل محقه من رياء أمام الناس، وطلب للسمعة، ومنّ بتعداد النعم التى قام بها للمنعم عليه، وأذى من لفظ جارح أو قول غليظ يؤلم النفس ويجرح الكرامة، وفى هذا المثل المكمل تجرى تلك